الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف الكتب المطبوعة   »   لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ

(أضيف بتاريخ: 2021/01/24)

بيانات الكتاب

لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ

لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

حجم الكتاب:

صغير

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 818 KB )

قراءة

( 6 صفحة )
لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد.……………… كان الله تعالى له حفظًا وتوفيقًا.

إلى: من تقع عينه على هذه النصيحة من عموم المسلمين.……………. سلّمه الله.

سلام عليكم.. وبعد..

أقول: عمد البعض إذا ما عوتب في أمر أو زلَّ في خطأ، وتبين له خطؤه، إلى الخوض في لجج التقلّب، فالفزع مع هلع تفتيشًا في بطون الكتب، والغوص في أعماق كلمها، والتعمق بين بنيان أحرفها، والتنقيب مع التدقيق في سراديب معانيها؛ لتلمس مشاكلة، أو وقوفٍ عند موافقة، سُبق إليها، تواريًا وتجملًا.

وما علم أن الجمال: في الإقرار بالخطأ، والكمالَ: في الأوبة فالإصلاح.

أجل.. كنت ولا زلت أنكر قول من يعتذر لنفسه بذكر خطأ من قبله، فيرتِّب على الخطأ خطأً هو الأفحش، فيفحش.

إلى أن وجدت في الباب أثرًا، محذرًا بل مجرمًا، فبعث في النفس تدوين نصح، ودعا البيان فانتصح، وامتثل فاصتحب.

فأقول:

لما كان النصح هو الدين، فعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-‏: «إنما الدين النصح‏» ‏«صحيح الجامع…»‏ برقم(2324).

بل النصح -وهو إرادة الخير للمنصوح له، والخير كل الخير في الاتباع- دين -خُلق- الأنبياء، بالغوا فيه حال البلاغ، كفرع عن بصيرة، بل البصيرة، كما ذكر تعالى عن نوح -عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام- أنه قال‏: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏ ﴾ سورة‏ «الأعراف‏» الآية(62).

وكان يكفيه البلاغ، ولكنها شريعة الأصفياء، خُلق الكُمَّل، رحمة الرحيم، وشفقة العليم، وكذا إخوانه من بعده.

إذ قال نبي الله هود -عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام-‏: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ‏ ﴾ سورة‏ «الأعراف‏» الآية(68).

وهذا نبي الله صالح -عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام-‏: ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ‏ ﴾ سورة‏ «الأعراف‏» الآية(79).

وهذا نبي الله شعيب -عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام-‏: ﴿ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ‏ ﴾ سورة‏ «الأعراف‏» الآية(93).

وكذلك في شريعتنا الكاملة الناسخة قام النصح مقام العمَد منها، ففي الصحيح من حديث تميم الداري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله –صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-‏ قال: «الدين النصيحة…‏» الحديث، في حصرٍ وقصرٍ دال على عظيم مكانة، وبالغ أثر.

ولما كان ذلك كذلك، تضافرت جهود المصلحين في شيوع هذه الشعيرة وذيوعها، فقاموا -لله درهم- للموافق والمخالف نصحًا، يتلوه نصحٌ، احتسابًا واتباعًا.

ومن النصح، إن لم يكن أوجبه، كيف لا وقد رتب الشارع عليه الفلاح: نصح النفس‏؛ ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا‏ ﴾ سورة «الشمس‏» الآيات (7-9).

ومِن تزكيتها: صيانتها عمَّا يشينها شرعًا أو يشنئها بحق عقل أو عرف، وقد اجتمعوا في فضح لفظ مستور، وكشف قول مكنون بل مقبور، وما كان ينبغي ذلك.

إذن فمن النصح لنفسك أخي المبارك تزكيتها بتنزيهها عن هذه الخصلة الخسيسة، وتحليتها باستصحاب قول‏ «أستغفر الله تعالى، أخطأت‏»، ومناكحة قول‏ «لا أعلم، فيما لا تعلم‏» إذ كلٌّ مسطر مزبور، وكلٌّ مجموع مسؤول.

فإن كنتَ ولا بدّ فاعلًا، وألجأك المقام إلى مقال، فإيماءة دون استقصاء، مع كبح جماح استرسال، وستر اسم -لزامًا-، مع توجيه إن كان، أو اعتذار.

والعصمة ممتنَعة، والخطأ وارد، بل كائن، يبقى الإقرار، وأن يسلم من مغبة خطئك الأبرار الأطهار، والسعيد من غلب هواه.

وأختم المقال بهذا الأثر الماتع المانع الدال، لإمام في العِلم والعقل عال.

نعم.. هذه أخي نصيحة عظيمة للإمام العلَم أبي محمد ابنِ حزم -رحمه الله تعالى- يحسن إيرادها في هذا المقام؛ لقيامها، وعظيم قيمتها، حيث قال:

«لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق، من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته:

إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلانًا أساء قبله.

والثانية: استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس. أو أن يسيء في وجه ما؛ لأنه قد أساء في غيره» ‏«الأخلاق والسير‏» ص(31).

قلت: صدق وبر ونصح، لله دره.

هذا.. والمرجو الانتفاع، فالإقلاع عن هذا الخلق والامتناع، والله تعالى الهادي، وهو سبحانه الموفق إلى سواء السبيل.

وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين.

كتبه

الفقير إلى عفو ربه

أبو عبد الله

محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة

في: 25/10/1428هـ 6/11/2007م