الرئيسة   »   ترجمة فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة -رحمه الله-

(أضيف بتاريخ: 2021/01/03)

ترجمة فضيلة الشيخ أبي عبدالله محمد بن عبدالحميد حسونة $

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى إخوانه وآله ومن ولاه واتبع هداه‏.‏.

وبعد: ففي هذه الكليمات المزدهرة، اليسيرة الموجزة المختصرة: تعريفٌ بعالم من أعلام السنة في هذا العصر: فضيلة الشيخ المجاهد -نحسبه كذلك والله حسيبه- محمد بن عبدالحميد حسونة، أرسل الله عليه شآبيب رحمته، وعزائم مغفرته، وطيَّب ثراه، وجعل الفردوس الأعلى مأواه‏.

وقد حاولنا فيها جمع شتات ما تفرق من سيرته في أذهان طلابه، وتقديمات كتبه، وكتابات من التقاه وسمع منه عنه -رحمه الله تعالى-، مع ما كتبه بنفسه -رحمه الله تعالى- إجابة على أسئلة وجهت له من بعض ولاة الأمر1، والله المسؤول حسنَ الجمع والإبانة، والتوفيق والقبول والإعانة‏.

نسبه ومولده:

هو العالم الزاهد، والفصيح الماجد، والفقيه المجاهد، والمربي المكابد، والصالح العابد: أبو عبد الله محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة‏.

ولد -رحمه الله تعالى- في القاهرة يوم الأربعاء السادس من محرم عام 1386هـ، الموافق للسابع والعشرين من إبريل عام 1966م‏.

نشأته:

قال الشيخ –رحمه الله تعالى: [ نشأت في أسرة متوسطة الحال، الأبوان: من صعيد مصر (المنيا وأسيوط)‏ الأب: نشأ يتيماً، وجاء مهاجراً إلى حلوان للعمل، والأم: لها أخوات بنات دون البنين؛ الأمر الذي كان له عظيم الاهتمام بالمولود الأول (الذكر)‏ وتنشئَته نشأة مُرْضية‏.

وكان الأب متديناً على طريقة عوام المصريين آنذاك (الطرق الصوفية) وكان يصحبني معه صغيراً إلى أوكارهم –وعوفي فترك والحمد لله تعالى2، والله تعالى المسؤول لنا وله وللقارئ حسن الختام- وكنت أصلي في مسجد الحي (الجمعية الشرعية) وأحضر بعض الدروس، وكان بعض الشيوخ آنذاك يقربني بل ويحثني على إجابة السائل أحياناً‏ ]‏.

أسرته:

وله –رحمه الله تعالى- زوجة واحدة، ومنها أتى بسبعة أولاد: عبدالله، وعبدالحميد، وعبدالرحمن، وعبداللطيف، وعبدالمحسن، واثنين من البنات‏.

شبابه:

كانت للشيخ -رحمه الله تعالى- في شبابه قبل تفرغه لطلب العلم ذاكرةً قوية، ونفسًا أبية، كلما دخل في مجال برع فيه وبرز وكُرِّم، وكان من ذلك: كرة القدم، وبعض الفنون القتالية، والخط العربي، وغيره‏.

يقول –رحمه الله تعالى: [وكان مما حببه إليَّ الوالد -وإن لم يشعر- الرسم، وبسببه التحقت بنادي اجتماعي في‏ «الفنون التشكيلية‏» سنة 84م، وفيه تفوقت وكُرّمت مرات من الحي والمديرية بل والدولة‏. وشاركت كذلك في النشاط الديني التابع للثقافي، وظهر نبوغاً في كل المسابقات الدينية التي شاركت فيها‏] ‏.

بداية طلبه للعلم:

قال –طيب الله ثراه ورحمه: [ ومع توالي شهادات التقدير والجوائز المالية والعينية ومقابلة الوزراء والوجهاء والتنقل تبعاً لذلك بين المحافظات تكريماً تكرماً، كنت أقول لنفسي في نفسي: «أين شكر النعم؟»‏.

حتى قرأت في المرحلة الثانوية كتاب «عذاب القبر ونعيمه وعظة الموت» فتحرك له كومن قلبي وعيني، ومن ساعتِئذ انكببت انكباباً على الكتب في غرفة: قراءةً وتدويناً وحفظاً، ما يقطعني عنها إلا الخروج إلى المسجد للصلاة فالعودة‏. ثم خرجت بثوبٍ آخرَ مؤثراً والحمد لله في كل المحيطين بي.

وفي هذه الأثناء تعرفت على الشيخ: مبروك الصاوي –غفر الله تعالى له، وهو شيخ أزهري، بل واعظ منطقة جنوب القاهرة-، وقد قربني –قربه الله تعالى- واعتنى بي اعتناءً، بل وزارنا في بيتنا، درست عليه كتاب «الاختيار في تعليل المحتار ‏.‏.‏.‏» في الفقه الحنفي، وكان يقول لنا: «يا أولاد هذا الكتاب ينمي عندكم ملكة التفكير»‏.

وفي أثناء الطلب عنده تعرفت على شيخي الثاني: الشيخ فكري السعيد شوشة –رحمه الله تعالى- أحد دعاة أنصار السنة والجمعية الشرعية القدامى، كان هذا الرجل موسوعة علمية، ولازمته ملازمة، وتأثيره عليّ في الدعوة على العمل والتطبيق، كان أحدنا إذا قال لصاحبه في حضرته اتق الله، فأجابه، تبسم ابتسامة حييّة حينية حلوة، وقال: يا إخوان اتق الله كلمة سهلة يسيرة!!! ويسترسل في الاستدلال من أحوال الخائفين من الله تعالى، أمَّنه الله تعالى مما خافه‏.

وفي نفس الحقبة التقيت بالشيخ الدكتور: عبد الفتاح الدخميسي -بلغني أنه رزق بالولد بعد حين وانتقل إلى بلده طنطا، ودرس في جامعات السعودية ومصر، أسأل الله تعالى له توفيقًا- درست عليه من «زاد المعاد‏.‏.‏.‏» وهو كذلك خصني برعاية، شكر الله تعالى له ‏] ‏.

وسيأتي ذكر باقي مشايخه -رحم الله الجميع-.

فترة الجيش:

يقول –رحمه الله تعالى: [ في الجيش كانت أخصب فترة دعوية آنذاك، كنت أعتقد ساعتئذ أن سعادة المرء في شيئين: تقوى الله تعالى، وكثرة الصمت، وكان فلك دعوتي في المحيطين بي على هذا الأصل ]‏.

الرحلة إلى بلاد الحرمين الشريفين:

قال –رحمه الله تعالى: [ ثم بعد الجيش بفترة يسيرة كان السفر للسعودية السعيدة سنة 89م وهناك عملت في تسجيلات إسلامية، فكنت أسمع بشراهة على مدار ساعات عملي العشر، حتى فتنة القطبية إبان حرب الخليج الأولى، وبسبب المنهج تركت عملي وامتهنت مهنة ذات وقت يسير ليتيسر لي الطلب‏.

وفي مكتبة الأمير سلطان بالخبر –جعلها الله تعالى مناراً للخير، وشكر الله تعالى منشأها والقائمين عليها: الشيخَ سعد المدرع، والأخ فيصل الحريمي، إذ غمروني توجيهاً ومعونة-كان عكوفاً ].

مشايخه:

يقول -رحمه الله تعالى-: [ ومنها (أي: المكتبة السابقة) التعرف وحضور دروس الشيخ القاضي: ناصر المدرع –زاده الله تعالى توفيقاً، وعمم النفع به- درست عليه من «تفسير القرآن العظيم‏» للحافظ ابن كثير –رحمه الله تعالى- سورة «البقرة‏» وصدراً من سورة «آل عمران‏» في ثمان سنين، و «زاد المعاد‏.‏.‏.‏» للعلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى- حتى المجلد الثالث في ست سنين، وصدر كتاب «سبل السلام‏.‏.‏.‏» للعلامة الصنعاني و «شرح كتاب التوحيد».

وحدّث –إن شت أن تحدث- عن جمال العبارة، وقوة الاستنباط، وانسكاب الدمعات، والهيبة والوقار في مجلسه‏.

وكذا التقيت بالشيخ البريكان –رفع الله تعالى قدره وعمم به النفع- درست عليه النصف الثاني من‏ «كتاب التوحيد‏» فـ‏ «الواسطية‏» فـ‏ «الحموية‏» والنصف الأول من‏ «التدمرية‏» قطعه نزولي مصر اضطراراً، وكذلك نظم متن الورقات في الأصول -بعضه- وكتاب‏ «منار السبيل‏.‏.‏.‏» وفي الأخير، كان إذا سئل عن الترجيح، قدّم ما ينصره الدليل، لله دره‏.

أما عن مجلسه ووقاره وحال الطلب والطالب فيه؛ فشيء عجيب، ليس بغريب، أما عن سعة العلم في كل فن فشيء غالب، والعبارة قوية مع إباء تيسيرها، كان الله لنا وله‏.

وفي هذه الأثناء تم لقيا المشايخ: الألباني في إحدى زياراته -بل آخرها- للمنطقة الشرقية، وابن عثيمين في الحرم أثناء قضاء إحدى العمرات، والنجمي والجابري وغيرهم في دورة علمية مع كلمة بل كلمات الشيخ الربيع في مقدمتها، والفوزان والسحيمي وصالح آل الشيخ في ندوات علمية، … ومحمد بن هادي وغيره في دورة في الدمام، وعبد السلام برجس -لقاء في بيت المباركة أم أحمد سلوى السبكي-غفر الله تعالى لهم أجمعين‏.

وحاولت الالتحاق بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وما تيسر لي ذلك ]‏.

ونزيد على هؤلاء الثلة المباركة التي ذكرها الشيخ -كما سمعنا منه رحمه الله تعالى-: فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله تعالى‏-.

؟؟؟؟؟

العودة إلى مصر، ومنهجه في الدعوة:

يقول -رحمه الله-مُتمِّمًا: [ ونزلت مصري أبذل كل جهدي في النصح راغباً وراهباً، راجياً وآملاً، والحمد لله على كل حال ‏] ‏.

ولما سُئل –رحمه الله تعالى- عن خطة عمله في البلاد، قال -طيب الله ثراه-: [ما عندي خطط، ولست من أهلها، إنما هو بث ما تعلمت بحسب قدرتي العلمية وطاقتي البدنية، والله تعالى المعين والموفق‏.

وإن قصدت المنهج: فذكرته في عنوان رسالة لي منشورة مزبورة باسم‏ «التعلم والتعليم زاد السادة السلفيين في سيرهم المبارك إلى الرب العليم‏» والله تعالى المسؤول، تسديداً وتوفيقاً ووفاة على الحق وقبولًا‏] ‏.

أما عن عقيدته –رحمه الله تعالى- فتقف عليها مجملة في جواب له على سؤال: «ما رأيك في الأزهر؟»؛ حيث أجاب قائلاً: [ الأزهر مؤسسة عتيقة عريقة، ما أخرجت لنا في القديم إلا كلَّ عجيب، وما بزّ منها وكان له قدم صدق وقبول إلا وأنكر نهجها، ونصح بتغيير مناهجها، وهو قولي وهو ظاهر لا يخفى‏. فالمنهج الصوفي النافر من تعاليم الدين النابذ للعقل والعرف، يُدرَّس في الأزهر –ودعوى التفريق بين التصوف السني وغيره، دعوة تفتقر لدليل بل والواقع يردها-، ورؤوس التصوف جلها خرجت من الأزهر‏.‏.‏.

وكذلك يدرس فيه منهج الاعتزال المعظم للعقل المقدم له على النقل؛ مما ولد نفوراً من النص وجرأةً عليه، الأمر الذي بدوره ولد انحرافاً وانجرافاً في الباطل، وفي المقابل شجع الجماهير على السخرية من هؤلاء العقلانيين ومن ثم زهدت الجماهير في الأزهرية لعدم تعظيمهم للشعائر‏. مع كِبْرٍ كريه، وعجز عن مواجهة المنحرف، وإشباع حاجة العامة (إلا من رحم) ‏.

وكذلك يُدرِّس منهج الأشاعرة، وهو منهج تبرأ منه واضعه‏.

وفيه اضطراب في الدعوة للخروج على الحاكم الجائر؛ لذا وجدت من بعض الأزهريين ثورة قد تفوق أحياناً ثورة التكفيريين‏.

وفي الجملة: فإن‏ «علم الكلام‏» -التصوف والتشيع والفلسفة والمنطق وأصول الفقه غير المحرر والمذهبية المعتمدة على أقوال رجال دون استدلال- علم هدام‏.

والسبيل المهيع والصراط المستقيم: هو تغيير مناهج الأزهر ليقوم على طرح المسألة بدليلها وفق فهم الصحب العظام لها والتابع لهم بإحسان، لا سبيل إلا ذا‏.

وهذه مسؤولية يخاطب بها مخاطبة أولية: ولاة الأمر، والخير فيهم ومنهم مأمول‏. وفي ظل التغيير العام الذي تشهده مصرنا، نطمع في ذا التغيير، وسيسجل التأريخ الإسلامي للمتسبب في هذا الخيرَ كل الخير بكل امتنان وفخر، وستذكر الأجيال هذا الأمر لكم بكل إجلال وشكر، وفقتم وبوركتم‏] ‏.

صفاته وأخلاقه:

عُرِفَ -رحمه الله تعالى- بحسن الخلق، والأدب الجم في التعامل مع غيره، والحرص على الإفادة، والاستفادة من غيره ولو صغره في السن، وكان متواضعًا، لم تفارقه الابتسامة طيلة حياته، وكان شديدًا على أهل الأهواء، لا يخاف في الله لومة لائم، ناصحًا للناس أجمعين، حفيظًا على السمت الظاهر من هدي السلف الصالح.

جهوده الدعوية ونتاجه العلمي:

تميَّز -رحمه الله تعالى- بالنشاط العلمي الدؤوب، فحياته بين مكتبته وتلاميذه من طلوع الفجر إلى العشاء، يقرأ ويعلق أو يشرح ويدون ويؤلف.

درَّس في بيته وبيت أبيه -رحمهما الله تعالى-، ثم كانت له حلقة أسبوعية بمسجد الطيران بحلوان، وقد شرح الكثير من المتون في شتى الفنون.

أما مؤلفاته: فلا عجب في رجل أمضى جل حياته في التعلم والتعليم أن تزيد مؤلفاته عن مائتي مؤلف ما بين مقال وكتيب وكتاب ومجلد، في جميع فنون العلم وأقسامه، تجدها كاملة في هذا الموقع -إن شاء الله تعالى-.

وكان -رحمه الله تعالى- يكتب فيما تدعو حاجة وقته ومصره إليه، غير مقدم للأولى على ما هو أولى منه، فكانت جل مؤلفاته في صد عدوان المعتدين، ودفع إفساد الجاهلين، ورد ضلال الضالين المضلين، والذود عن شريعة رب العالمين، ونصرتها.

فكتب في الرد على الصوفية ما يزيد عن ستين مؤلفا، وكتب في الرد على الشيعة والعزمية والبهائية والأشاعرة والإخوان والقطبية والتبليغ، بل والملحدين والنصارى‏.

وكتب في الدعوة إلى العلم، وفضله، وآداب أهله، وكتب في الدفاع عن الصحابة -رضي الله عنهم-، والدفاع عن أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين: كشيخ الإسلام، والإمام ابن باز، والعلامة ربيع المدخلي، وغيرهم -رحم الله الجميع-‏.

وكتب في بيان منهج أهل السنة والجماعة، ووجوب الثبات عليه، وكتب في حقوق ولاة الأمر ووجوب طاعتهم في المعروف، وتحريم الخروج عليهم بالقول أو الفعل‏.

وكتب في الفقه، والحديث، والآداب والأخلاق والرقائق والفضائل، وغير ذلك‏. رحمه الله ويسر طباعة وإخراج كل هذه الكتب، وعمم بها النفع.

تزكياته:

إن التزكية الحقيقية هي تلك التي تكون من الله تعالى باطنًا وظاهرًا، فتزكيته لعبده باطنًا بأن يهديه إلى الصراط المستقيم صراطِ الذين أنعم عليهم، ويزيدَه هدى، ويثبته عليه، ويحببه فيه، وييسر له الدعوة إليه، ويعينه على الصبر عليه والصبر فيه‏.

وأما التزكية الظاهرة: فهي ما يلقيه الله تعالى في قلوب الصالحين من المحبة لهذا العبد، وما يجريه على ألسنتهم من الثناء عليه وعلى علمه ومنهجه، وهي معتبرة عند أهل السنة لما يحصل بها من تمييز لأهل الحق عن غيرهم‏.

والشيخ رحمه الله تعالى معروف بصحة العقيدة وسلامة المنهج عند جميع مشايخ مصر، فما من عالم سني مصري إلا ويعرف للشيخ -رحمه الله تعالى- قدره، ويثني عليه، أو يترحم، ويرحب بأبنائه وتلاميذه.

ولما سئل عنه فضيلة العلامة حسن بن عبد الوهاب البنا –رحمه الله تعالى- أخبر بأنه معروف عنده بالخير وبالمنهج السلفي، وأثنى عليه وعلى ثلة من إخوانه من المشايخ.

وقال في تقديمه لأحد كتب الشيخ -رحمهما الله تعالى-: [ فلقد أتى إلي الأخ الشيخ عادل السيد -من علماء ودعاة جماعة أنصار السنة المحمدية وعضو مجلس الإدارة بها-يحمل مؤلفاً باسم «نظم الدلائل في إبطال دعاوى الجائر الصائل» لمؤلفه الأخ الكريم الداعية العالم الجليل فضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبدالحميد حسونة -غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين- وذلك منذ مدة غير قصيرة، وأتى لي بالمؤلف تلبية لرغبة الأخ الفاضل المصنف لمراجعته، فعجبت من هذا الإصرار، متسائلاً بيني وبين نفسي : كيف يكون مثلي أهلاً لمراجعة كتاب صنفه فضيلة الشيخ الأخ محمد بن عبد الحميد حسونة (رحمه الله) ؟!

وقد تشرفت بمعرفة الأخ المصنف، وسررت بمواقفه الموافقة لعقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة، واستمعت إليه، وحضرت مراجعات علمية بينه وبين بعض طلاب العلم، وقرأت له رسائل عديدة؛ فوجدت له علماً للشارد والوارد من العلوم الشرعية، خصوصاً علم العقيدة والمنهج بفقه سلف الأمة وعلى رأسهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم بإحسان على مدى القرون المتتابعة، ولا أقول ذلك مجاملة له، فإن هذا هو واقعه».

وكذلك فضيلة الشيخ محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله تعالى-، فهو معروف عنده بالخير، يحبه ويجله ويكرم طلابه وأولاده تبعًا له، وهذا من فضله -حفظه الله- ووفاءه لإخوانه من أهل العلم‏.

وفي زيارة من أحد أقرب طلبة الشيخ -رحمه الله- وهو الشيخ عصام بن أبي السعود، مع ولد الشيخ عبد الحميد، إلى الشيخ محمد رسلان -حفظه الله: افتتح الشيخ كلامه بثناء عطر على الشيخ ومنهجه، واهتمامه باللغة العربية، وابتدأه -حفظه الله-بقوله: [ فقده ثلمة ]‏.

وكذلك فضيلة الشيخ علي بن عبدالعزيز موسى -حفظه الله تعالى- فلما أُخبر عن الشيخ -رحمه الله- ومنهجه وعلمه، قال في كلمة مسجلة لطلبة العلم في حلوان: [ أحببته دون أن أراه ]3.

تلاميذ الشيخ:

خلف الشيخ $ وراءه العديد من طلبه العلم في أماكن متفرقة في مصر وخارجها من بلاد العالم الإسلامي نفع الله بهم أجمعين.

مرض الشيخ ووفاته:

كان الشيخ $ يقضي معظم وقته –المقتصر على التعلم والتعليم- في الكتابة والقراءة، وكانت عادته –رحمه الله تعالى- أن يصلي الفجر ويجلس على حاسبه، يدعو إلى سبيل ربه، يجلس على مقعده الذي منه نصح وكتب وأفتى وعلّم، وعليه جاء مرض وفاته، وبعد حمله للمشفى: ظلَّ في غيبوبته ثمانية أيام تقريباً، لا يتحرك من بدنه كله إلا أصبع التشهد!، حتى جاءنا نبأ وفاته –رحمه الله تعالى- في ليلة الخميس الموافقة 12/3/1432هـ 16/2/2010م، وغُسِّل وصُلي عليه ودُفن صباح يوم الخميس، وكانت جنازته جنازة عظيمة، قصدها جمع كبير من أهل العلم وطلبته، وامتدت الصلاة إلى خارج المسجد الكبير بكثير‏.

وكان لون الشيخ -رحمه الله- يميل إلى السمرة، وقد زادها مرضه، إلا أنه بعد وفاته ما رؤي في يوم أكثر بياضًا منه في هذا اليوم، رحمه الله، ومع أن الله قد جعل المرض سبباً في وفاته إلا أنه كان مبتسماً في كفنه، رحمه الله‏.

فالله تعالى المسؤول أن يرحمه رحمة واسعة، ويغفر له ويعفو عنه، ويكرم نزله ويوسع ومدخله، وأن يلحقه بالصالحين، وألا يحرمنا أجره ولا يفتننا بعده‏.

وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وإخوانه وآله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين‏.

إدارة الموقع
  1. كان الشيخ $ غايةً في التواضع وإنكار الذات، ومن ذلك أنه كان لا يرى الترجمة لنفسه، وكلما سُئل أن يتكلم عن حياته أو يكتب عن نفسه، يُعرض معتذرًا بأنه ليس أهلًا لأن يترجَم له أو يُعرَّف به‏. حتى حصل في مرة من مرات استدعائه للأمن القومي، أن طلبوا منه $ رسالة يعرف فيها بنفسه ومنهجه وأهدافه، فأجابهم لذلك -طاعةً لله عز وجل، كونهم ولاة أمر-‏.

    وقد تضمنت رسالته هذه الحديث عن نشأته وأسرته، وحياته قبل الاستقامة، وبداية وسبب استقامته، وسفره لبلاد الحرمين، والعودة منها، وما تخلل ذلك من مواقف وأحداث، وسننقل منها هنا أغلب مضامينها كلٌّ في موضعه، وقد صدرها $ بالبسملة، ثم قولِه: «إلى من يهمه الأمر»، دونها في حلوان بتاريخ 21 شوال 1428هـ الموافق: 2/11/2007م‏.

  2. يُذكر أن الله تعالى جعل الشيخَ وهو صغير سببَ هداية أبيه، حيث كان دائم النصح له بالحكمة واللين، وكثيرًا من يعرض له مخالفاتهم التي لا يقبلها عقلٌ فضلًا عن شرع، وكان لوالده صورة لأحد كبراء الصوفية يعلقها في منزله، وكان متعلقًا بها غاية التعلق، فلما رأى الشيخ ذلك نزعها في غيابه وأتلفها وعلق مكانها آية من كتاب الله، فلما عاد والده فزع، واستشاط مغضبًا، لكنه لما رأى كلام الله مكانها وقف محتارًا لا يدري ما يفعل، حتى أذهب الله عنه هذا البلاء، وترك مجالسهم ومجالستهم، وظل في بيته مع كتاب الله حتى توفي بعد وفاة الشيخ $ بعشر سنين، رحمهما الله رحمة واسعة.
  3. ‏يمكنكم سماع المداخلة [من هنا]، أو سماعها كاملة [من هنا].
  زيارة.