الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   تنبيه أولي الحجىٰ إلى الأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا

(أضيف بتاريخ: 2021/10/29)

بيانات الكتاب

تنبيه أولي الحجىٰ إلى الأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا

تنبيه أولي الحجىٰ إلى الأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

9/5/1424هـ - 9/7/2003م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 680 KB )

قراءة

( 8 صفحة )
تنبيه أولي الحجا إلى الأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

تنبيه أولي الحجىٰ
إلى الأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد……….. كان الله تعالىٰ له.

إلىٰ: أخيه………………………………….. وفقه الله تعالى.

السلام عليكم، وبعد:

نظرًا لما شاع في هذه الأيام وذاع، عن تستر أحداثٍ لئام في ثوب العلماء الكرام، وتسربل الرويبضة بزي المجتهد في النازلة، ورفع شعار أهل السنة والجماعة من قِبل من حارب السنة وفارق الجماعة، ودعا إلىٰ الفرقة ورفع عقيرته بكل شناعة؛ فغاب عن فئام حقيقة الطغام، لا سيما مع ذيوع العمل السري عند من سُمُّوا بـ ‏«جماعات الصحوة الإسلامية‏».

الأمر الذي دعانا إلىٰ اعتبار القرينة في الحكم علىٰ ما خفي علينا من حقائق هذه المناهج المنحرفة وأتباعها، ومن ثم التحذير منها، وأهلها.

بيد أن عقول البعض لا زالت قاصرة عن تخطي عقبة الهوىٰ، والتخلص من إصر الشُّهَىٰ، وتحطيم وثن التبعية العمياء الصماء البكماء للبعض، فضلًا عن تحمل حمل الحقيقة الثقيل مع مرارتها.

وعلىٰ كل حال: فالمعصوم من عصمه الله تعالىٰ، والله تعالىٰ الهادي، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبعد -أخي-: فهذه أحرف وضعتها في بيان هذا المطلب العزيز نصحاً، ورجوت من ورائها خيرًا، والله تعالىٰ من وراء القصد، وسمتها: بـ «تنبيه أولي الحجىٰ بالأخذ بالقرائن واعتبارها في الحجا».

فأقول بعد الحمد لله تعالىٰ والصلاة والسلام علىٰ رسوله وآله وصحبه:

في القرآن الكريم:

تحت قول الله -عز وجل‏-: ﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ…‏﴾ [يوسف:18].

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة علىٰ صدقهم، قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التنييب -المقصود: سلامته من أنياب الذئب بالتخريق-؛ إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف ڠ وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق، ولما تأمل يعقوب ڠ فلم يجد فيه خرقًا ولا أثرًا؛ استدل بذلك علىٰ كذبهم… قاله ابن عباس -رضىٰ الله تعالىٰ عنهما- وغيره…».

ثم قال الإمام القرطبي $: «استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها.

وأجمعوا علىٰ أن يعقوب ڠ استدل علىٰ كذبهم من صحة القميص.

وهكذا يجب علىٰ الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت؛ فما ترجح منها: قضىٰ بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف بالحكم بها، قاله ابن العربي $» انظر «الجامع لأحكام القرآن‏» لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (5/9/129-130) مكتبة الرشد.

قال الإمام ابن العربي المالكي –رحمه الله تعالىٰ- بعد السياق السابق الذي ذكره عنه الإمام القرطبي: «… والعلامات إذا تعارضت، تعيّن الترجيح، فيقضىٰ بجانب الرجحان، وهي قوة التهمة‏» ‏«إحكام القرآن‏» لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (3/40) ت: محمد عبد القادر عطا – دار الكتب العلمية.

وقال العلامة السعدي -رحمه الله تعالىٰ- في قوله تعالىٰ: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا‏ ﴾: «أي: زيّنت لكم أنفسكم أمرًا قبيحًا في التفريق بيني وبينه؛ لأنه رأىٰ من القرائن والأحوال، ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دلّ علىٰ ما قال‏» ‏«تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان‏» للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي (2/405) دار الذخائر.

وقال العلامة الشنقيطي -رحمه الله تعالىٰ‏-: ‏«وقوله تعالىٰ‏: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 26 وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ 27 فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ‏ ﴾ [يوسف‏:28-26].

يُفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة علىٰ صدق أحد الخصمين، وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة علىٰ براءة يوسف يدل علىٰ أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب؛ لأن كون القميص مشقوق من جهة دبره دليل واضح علىٰ أنه هارب عنها، وهي تنوشه من خلفه، ولكنه تعالىٰ بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها قرينة أقوىٰ منها فإن عارضتها قرينة أقوىٰ منها أبطلتها…

دعواهم أنه أكله الذئب ولا شك أن الدم قرينة علىٰ افتراس الذئب له ولكن يعقوب ڠ أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوىٰ منها وهي عدم شق القميص… وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن‏» اهـ ‏‏«أضواء البيان…‏‏» (3/61).

وفي الحديث:

قال أبو هريرة : قال رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم‏: ‏«المرء علىٰ دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل‏» ‏«السلسة الصحيحة» للعلامة الألباني برقم(927).

وفي ‏«الصحيحين‏» عن النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف‏» ‏‏«صحيح الإمام البخاري‏» برقم (3158) و«صحيح الإمام مسلم‏» برقم(2638).

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالىٰ- عقب هذا الحديث‏: ‏«فلا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق‏» ‏‏«كتاب الرد علىٰ المبتدعة‏» لابن البنا. إلىٰ غير ذلك من الأحاديث.

وفي‏ «الزاد‏» في سياق ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالىٰ- لجملة من الأحكام الفقهية المستقاة من غزوة خيبر:

‏«… ومنها: جواز تقرير أرباب التهم بالعقوبة، وأن ذلك من السياسة العادلة، لا من السياسة الظالمة.

ومنها: الأخذ في الأحكام بالقرائن والأمارات، كما قال النبي –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- لكنانة‏: ‏«المال كثير، والعهد قريب‏» فاستدل بهذا علىٰ كذبه في قوله: «أذهبته الحروب والنفقة».

ومنها: أن من كان القول قوله: إذا قامت قرينة علىٰ كذبه، لم يلتفت إلىٰ قوله، ونزّل منزلة الخائن‏» ‏«زاد المعاد في هدي خير العباد‏» للإمام العلامة ابن القيم (3/307) ت: شعيب الأرنؤوط، عبد القادر الأرنؤوط – دار الرسالة.

وفي أبواب الفقه:

جاء في‏ «الموسوعة الفقهية»‏: ‏«استدلالًا علىٰ اعتبار القرائن في أبواب الأحكام:

اللقطة، وإن كانت عليها علامات الكفر: كالصليب ونحوه، فإنه ركائز.

وأيضاً: القضاء بالنكول، واعتباره في الأحكام، وليس ذلك إلا رجوعًا إلىٰ مجرد القرينة الظاهرة، فقدمت علىٰ أصل براءة الذمة.

ومنها: جواز دفع اللقطة لواصف عفاصها ووكائها.

وكذلك: النظر في أمر الخنثىٰ، والاعتماد فيه علىٰ الأمارات والقرائن الدالة علىٰ إحدىٰ حالتيه: الذكورة أ و الأنوثة.

ومنها: معرفة رضا البكر بالزواج بصماتها.

ومنها: إذا أرخىٰ الستر علىٰ الزوجة، وخلا بها. قال أصحابنا: إذا طلقها، وقال أنه لم يمسها، وادعت هي الوطء: صدقت. وكان لها الصداق كاملاً‏» انظر‏ «تبصرة الحكام‏» (فصل: في بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بـالحكم بالقرائن والأمارات)، وانظر «الطرق الحكمية‏» للعلامة ابن القيم $، و«الموسوعة الفقهية الكويتية‏‏» (33/159-158) بتصرف يسير.

ومن آثار السلف في الحكم على المرء بالقرينة، واعتباره1 :

قال ابن مسعود -رضي الله تعالىٰ عنه-: «اعتبروا الناس بأخدانهم، المسلم يتبع المسلم، والفاجر يتبع الفاجر‏» «الإبانة‏» (2/477) رقم(502).

وقال‏: ‏«إنما يماشي الرجل ويصاحب من يحبه ومن هو مثله‏» «الإبانة‏» (2 /476) رقم (499).

وقال قتادة -رحمه الله تعالىٰ‏-: ‏«إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله؛ لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم‏» ‏«الإبانة‏‏» (2/ 477) رقم (500).

وقال أبو قلابة -رحمه الله تعالىٰ-: قاتل الله الشاعر حين يقول:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي

وهو لعدي بن زيد العبادي. قال الأصمعي: «لم أر بيتًا قط أشبه بالسنة من قول عدي هذا‏» ‏«الإبانة‏‏» (2/439).

وقال الأوزعي -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«من ستر عنا بدعته، لم تخف علينا إلفته‏» ‏‏«الإبانة‏‏» (2 / 476) رقم (98)

وقال محمد بن عبد الله الغلابي -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«يتكاتم أهل الأهواء كل شئ إلا التآلف والصحبة‏» ‏‏«الإبانة‏‏» (1/205) رقم (44).

وقال معاذ بن معاذ ليحيىٰ بن سعيد‏: ‏«يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه، لم يخف ذاك في ابنه، ولا صديقه، ولا في جليسه‏».

وقال ابن عون -رحمه الله تعالىٰ-: ‏«من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع‏» ‏«الإبانة‏‏» (2/273) رقم(486).

وقال يحيي بن سعيد القطان: «لما قدم سفيان الثوري البصرة، جعل ينظر في أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس.

سأل: أي شئ مذهبه؟

قالوا: ما مذهبه إلا السنة.

قال: من بطانته؟

قالوا: أهل القدر.

قال: هو قدري»‏.

قال ابن بطة -رحمه الله تعالىٰ‏-: ‏«رحمة الله علىٰ سفيان الثوري لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة، ويدركه العيان، ويعرفه أهل البصيرة‏» ‏«الإبانة‏‏» (2/ 453) رقم(412).

وقال أبو داود السجستاني -رحمه الله تعالىٰ-: «قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرىٰ رجلًا من أهل السنة مع رجلٍ من أهل البدع، أترك كلامه؟

قال: لا، أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه، فكلمه، وإلا فألحقه به.

قال ابن مسعود ﭬ: المرء بخدنه‏» ‏«طبقات الحنابلة‏» (1/160)برقم(216) وانظر «مجموع الفتاوىٰ‏» (2/133).

وجاء في «الرد الوافر‏» ص(254): «والإنسان إذا لم يخالط ولم يعاشر، يستدل علىٰ أحواله وأوصافه بآثاره».

بقي أن أقول: لا أثر للقرائن في إنزال الحكم علىٰ المعين، ولا اعتبار لها في الحكم علىٰ ما في القلوب، بل المعول عليه قوله الصادر عن علم وقصد واختيار، وفي ذلك:

قال العلامة ابن باز -رحمه الله تعالىٰ- وسئل عمن لا يحكم شرع الله تعالىٰ، فقال:‏ «لا يكفر إلا إذا استحله، ولو ادعىٰ أنه لا يستحله، فنأخذ بظاهر كلامه، ولا نحكم بكفره‏» ‏«الحكم بغير ما أنزل الله – مناقشة تأصيلية علمية هادئة…‏» لأبي عبد الله بندر بن نايف العتيبي ص(16-17).

وبعد.. فيما ذكر كفاية؛ لطالبي الهداية. والله تعالىٰ الموافق، وهو سبحانه المسؤول أن يرزقنا وإخواننا حسن الاتباع مع حسن القصد، وأن يمتعنا وإياك سلوك سبيل السلف الصالح ما حيينا غير مبدلين ولا مغيرين، آمين.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين

كتبه
راجي عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 9/5/1424هـ – 9/7/2003م
  1. مجلة‏ «الأصالة‏» العدد 28 ص(45) والبحث للشيخ الفاضل جمال الحارثي ($).