الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   لزوم جماعة المسلمين   »   حماية القلوب المقدسة في مجانبة حشوش أهل البدع ورفض التلقي عنهم والمجالسة

(أضيف بتاريخ: 2021/10/20)

بيانات الكتاب

حماية القلوب المقدسة في مجانبة حشوش أهل البدع ورفض التلقي عنهم والمجالسة

حماية القلوب المقدسة في مجانبة حشوش أهل البدع ورفض التلقي عنهم والمجالسة

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

16/11/1424هـ - 9/1/2004م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 700 KB )

قراءة

( 8 صفحة )
حماية القلوب المقدسة في مجانبة حشوش أهل البدع ورفض التلقي عنهم والمجالسة
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

حماية القلوب المقدسة
في مجانبة حشوش أهل البدع ورفض التلقي عنهم والمجالسة

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد………… كان الله تعالىٰ له.

إلىٰ: أخيه…………………………. وفقه الله تعالىٰ وسدده، آمين.

سلام عليكم، وبعد:

إن من الأصول العلمية التي انتهجها سلفنا الصالح في باب التلقي والسلوك، مجانبةَ مجالس أهل البدع والأخذِ عنهم، وتحمُّلِ العلم منهم.

وجاءت الأخبار تلو الأخبار في تجلية هذا الأصل، وإبراز ذلك النهج القويم، بل وإذاعة هذا الهدي المستقيم.

وذلك منهم مراعاة لما فُطرت عليه النفس البشرية، وحرصًا علىٰ صيانته، ودومومة سلامتها من آفات الشبهات، وأمراض الشكوك، ومقاتل الهوىٰ، واستحضارهم لدلالة قوله تعالىٰ‏: ﴿ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء:28].

ففَروا من جوارهم، وزهدوا في مصاحبتهم، بل ورؤيتهم، وسلكوا طرقًا مغايرة لطرقهم -حسًا ومعنًىٰ – فكانوا أنموذجًا حسنًا، وقدوة لمن بعدهم صالحة، وضربوا لنا المثل، وخلَّفوا لنا الأسوة الحسنة.

وهاكم جملة من ذلك لذلك؛ قال الله تعالىٰ‏: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام:68].

قال قتادة -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في آيات الله: يكذبون بها، وإن نسي فلا يقعد بعد الذكرىٰ مع القوم الظالمين‏» أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبري‏» (2/431).

وعن أبي عون -رحمه الله تعالىٰ- قال‏: ‏«كان محمد -يعني: ابن سيرين- يرىٰ أن أسرع الناس ردة: أهل الأهواء، وكان يرىٰ أن هذه الآية أنزلت فيهم ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾‏ » المصدر نفسه (2/431).

وتحتها قال العلامة الشوكانىٰ -رحمه لله تعالىٰ-‏: ‏«في هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة، الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتاب وسنة رسوله ﷺ، ويردّون ذلك إلىٰ أهوائهم المُضلة، وبِدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم يُنكِر عليهم، ويُغير ما هم فيه، أقل الأحوال أن يترك مُجالستهم، وذلك يسير غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به، شبهة يشبهون بها علىٰ العامة، فيكون حضوره مفسدة زائدة علىٰ مجرد سماع ا لمنكر.

وقد شهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا.

ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شئ من المحرمات…» اهـ‏ «فتح القدير‏» للإمام لشوكاني (2/128).

وقد ذكَّر الله تعالىٰ بما حذر منه هنا من مجالسة هؤلاء، في سورة «النساء» الآية(140) فقال: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ… ﴾.

نقل الإمام البغوي -رحمه الله تعالىٰ- عن ابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما- أنه قال في تفسير هذه الآية‏: «دخل في هذه الآية كلُّ مُحدِثٍ في الدين، وكل مبتدعٍ إلىٰ يوم القيامة‏» ‏«تفسير البغوي‏» (1/491).

وقال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«في هذه الآية الدلالة الواضحة علىٰ النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة و الفسقة عند خوضهم في باطلهم‏» ‏‏«تفسير الإمام الطبرىٰ‏» (5/230).

ومن السنة: حديث كعب بن مالك وصاحبَيه ﭫ الذي رواه الشيخان، ففيه الدليل علىٰ مشروعية هجر أهل البدع والمعاصي؛ بترك المجالسة والكلام، وقد استدل به غير واحد من أهل العلم علىٰ جواز هجر أهل البدع؛ حتىٰ يتوبوا.

وقال الإمام البغوي -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«فيه دليل علي أن هجران أهل البدع علي التأبيد… وقد مضت الصحابة والتابعون واتباعهم وعلماء السنة علىٰ هذا، مجمعين متفقين علىٰ معاداة أهل البدع ومهاجرتهم‏» ‏‏«شرح السنة‏‏» (1/226 – 227).

وفي «الصحيحين‏» عن أبي موسىٰ الأشعري -رضي الله تعالىٰ عنه- عن النبيِّ –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير…‏» ‏رواه البخاري (2101)‏ ومسلم‏ (2628).

وإن مِن أعظم مَن يحصل الضرر بمجالستهم ومخالطتهم: أهلَ البدع؛ فإن الضرر الحاصل بمجالستهم أعظم بكثير من الضرر الحاصل بمجالسة أهل المعاصي من أهل السنة.

ولذا اشتهر في كتب السنة والاعتقاد: التحذير من مجالسة أهل البدع بصورة لا تضاهيها أي صورة أخرىٰ من صور تحذيرهم.

وأما أقوال السلف في ذلك، فهي كثيرة وفيرة منها: ما ثبت عن عمر -رضي الله تعالىٰ عنه- من ضربه لصبيغ العراقىٰ، وكتابته لأهل البصرة؛ أن لا يجالسوه.. قالوا: «فلو جلس إلينا ونحن مائة لتفرقنا عنه‏» انظر‏ «الإبانة الكبرىٰ‏» (2/414).

وعن ابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما- قال‏: ‏«لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب‏» ‏«الشريعة‏» للآجرىٰ(61)‏ و«الإبانة الكبرىٰ‏» (2/438).

فلا شك إذاً: أن هجر أهل البدع وترك مجالستهم ومجاورتهم -وهم المحرفون لشرع الله والمتبعون لأهوائهم في تأصيل البدع والضلالات، ودعوة الخلق إليها، وصرفهم عن السنة- من باب أولىٰ وأحرىٰ.

وكذلك سلف الأمة من بعد الصحابة، من التابعين وتابعيهم، ومَن أتىٰ بعدهم من الأئمة: علىٰ ذلك النهج البيّن الواضح في تعاملهم مع أهل البدع والمحدِثين، علىٰ ما دلت عليه صريح أفعالهم، وصرّحت به صحيح أقوالهم، وما نُقل إلينا من أخبارهم في هجر أهل البدع، وترك مجالستهم.

فمن أقوالهم المصرحة بترك مجالسة أهل البدع والنهي عنها: ما جاء عن الحسن البصري -رحمه الله تعالىٰ- أنه قال‏: ‏«لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم‏» ‏«شرح اعتقاد أهل السنة‏» للالكائي (1/133).

وكان ينهي عن مجالسة معبد الجهني ويقول: «لا تجالسوه؛ فإنه ضال مضل‏» ‏«الشريعة‏» ص(243).

وعن محمد بن سيرين -رحمه الله تعالىٰ- ودخل عليه رجلان من أهل الأهواء، فقالا: نحدثك بحديث؟

قال: لا.

قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله – عز وجل-.

قال: لا. لتقومن عني، أو لأقومن‏» أخرجه الدارمي في‏ «سننه‏» (1/120)‏ وعبد الله ابن الإمام أحمد في «السنة‏‏» (1/138) والآجري في «الشريعة‏» ص(57) وابن بطة في «الإبانة‏» (2/445) واللالكائي في «شرح اعتقاد أهل السنة‏‏» (1/133).

وقال يحيي بن أبي كثير -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«إذا لقيت صاحب بدعة في طريق، فخذ في طريق آخر‏» ‏‏«البدع والنهىٰ عنها‏» لابن وضاح ص(48)‏ و«الشريعة‏» ص(64).

وروىٰ‏ الدارمي (1/120) وغيره عن أيوب -هو السختياني رحمه الله تعالىٰ- قال‏: «رآني سعيد بن جبير جلست إلىٰ طلق بن حبيب -رُمِي بالإرجاء- فقال لي: ألم أرك جلست إلىٰ طلق بن حبيب، لا تجالسه‏». وفي بعض الروايات:‏ «لا تجالسه فإنه مرجئ‏» ‏«البدع والنهي عنها‏» لابن وضاح ص(52)‏ و«السنة‏» لعبد الله ابن الإمام أحمد (1/323) و«الشريعة‏» للآجري ص(144) و «الإبانة الكبري‏» (2/450).

وعن أبي قلابة -رحمه الله تعالىٰ- أنه يقول‏: ‏«لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يُلبّسوا عليكم في الدين بعض ما لُبس عليهم‏» ‏‏«شرح اعتقاد أهل السنة‏» للالكائي (1/134)‏ «والدارمي‏» (1/120)‏ و«الشريعة‏» ص (56)‏ و «الإبانة الكبري‏» (2/437).

وكتب عيسي بن يونس -رحمه الله تعالىٰ- إلىٰ بعض أصحابه، يقول‏: ‏«لا تجالسوا الجهمية، وبيّنوا للناس أمرهم؛ كي يعرفوهم، فيحذروهم‏» ‏«الدارمىٰ في رده علىٰ بشر المريسي‏» ص(5).

قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الاهواء…‏» «شرح اعتقاد أهل السنة‏» للالكائي (1/156).

وكتب رجلٌ إلىٰ الإمام أحمدَ كتابًا يستأذنه فيه أن يضع كتابًا يشرح فيه الرد علىٰ أهل البدع، وأن يحضر مع أهل الكلام؛ فيناظرهم، يحتج عليهم.

فكتب إليه -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كان عليه من أدركنا من أهل العلم: أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلىٰ ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك، وهم لا يرجعون، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم…‏» ‏«الإبانة الكبري‏» لابن بطة (2/472).

وقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«سمعت أبي، وأبا زرعة -رحمها الله تعالىٰ- يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام…‏» ‏‏«شرح اعتقاد أهل السنة‏» للالكائىٰ (1/179).

هذه أقوالهم، أما تطبيقاتهم فكثيرة كذلك، بل ودوَّنوا ذلك في مصنفاتهم ضمن ذكرهم عقائد المسلمين، مثال ذلك:

ما قال أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم‏» ‏‏«أصول السنة‏» لابن زمنين (3/1024).

ويقول العلامة الصابوني -رحمه الله تعالىٰ- في وصف‏ «عقيدة السلف وأصحاب الحديث»‏: ‏«أنهم يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذنهم عن أباطيلهم‏» ‏‏«عقيدة السلف أصحاب الحديث‏» للصابوني ص(114 – 115) انتهىٰ وقد استقت مادة هذه النصيحة من الكتاب الماتع المنصوح باقتنائه‏ «موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع‏» للدكتور الرحيلي (2/529 – 546).

وبعدُ أخي، هذا غيض من فيض، من وصايا أئمة السلف بعدم غشيان مجالس أهل الأهواء والبدع، وهم في زماننا -مع ما تقدمت الإشارة إليه آنفًا- تدخل فيهم الفرق الإسلامية القائمة اليوم -من قطبية تكفيرية، وإخوانية تمييعية، وتبليغية صوفية عصرية، فضلًا عن الطرق الخرافية الشركية- فإن لم تكن مُنكِراً، فلا تكن لمجالسهم حاضراً، واحمد الله تعالىٰ علىٰ العافية، واسأله -وهو سبحانه خير مسؤول- أن يمتعنا جميعًا بالسنة ما حيينا.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الراجي ستر مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 16/11/1424هـ – 9/1/2004م