الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   رسالة إلى المتحمسين.. رويدكم.. حنانيكم

(أضيف بتاريخ: 2021/01/24)

بيانات الكتاب

رسالة إلى المتحمسين.. رويدكم.. حنانيكم

رسالة إلى المتحمسين.. رويدكم.. حنانيكم

وصف مختصر:

نموذج مما أصاب سلفنا من البلاء العظيم لنحمد الله على العافية

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

10/10/1424 هـ

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 810 KB )

قراءة

( صفحة )
رسالة إلى المتحمسين.. رويدكم.. حنانيكم
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

رسالة إلى المتحمسين.. رويدكم.. حنانيكم

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد ………………. كان الله تعالى له.

إلى: أخيه …………………………………….. وفقه الله للخير، آمين.

سلام عليكم، أما بعد:

اعلم أخي: -وفقك الله للخير، وألهمك رشدك، وأعانك على ما فيه سعادتك في الدارين- أنني لما رأيت أن بعض الناس يعمد في زمن الفتن العامة، والتي تعصف بديار المسلمين -لاسيما ونحن نعيش زمن ضعف، وللضعف أحكامه- إلى إثارة حماس بعض العامة، فيخرج أضغانه، ويبث سموم دغله بين الأمة وولاة أمورها -من علماء وأمراء- وبذا يستجلب قلوبهم -أي: قلوب العامة- له، فيستكثر بهم، ويستحلب جيوبهم!!!

وكان ينبغي عليه أن يرشدهم إلى ضرورة التوبة إلى الله، والصبر، مع الأخذ بأسباب الرفع، والدعاء بالدفع، ويقف خلف ولاة أمره: داعيًا لهم ناصحًا، مذكرًا الخلق بجوانبٍ من الفضل الإلهي عليهم الذي ينغمسون فيه، وينعمون به -وقد لا يستشعرونه- لاسيما وأن العامة يقيسون الأمور سلبًا وإيجابًا بحسب قانون‏ «الترف» -إلا من رحم- وهذه سنتهم في القديم والحديث!!! علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.

وفي هذه النصيحة المباركة أسوق لك نموذجًا لما أصاب سلفك من المسلمين في حقبة من أزمانهم الغابرة، مجليًا لك مرحلة من المراحل التي أحاطت بالأمة؛ ليكون ذلك سلوى، مستجلبًا منك حمد الله على العافية التي تنعم بها في هذه الآونة، ومُذكرًا بأن الإصلاح لا يقع على ولاة الأمور فحسب؛ بل لابد من تكاتف أيدي المصلحين -الراعي والرعية- للنهوض بالناس من خلال دعوتهم للصلاح والإصلاح، وفق النصوص الشرعية، والقواعد العملية والآداب المرعية، والدعاء موصول لدعاة الخير -حكاما ومحكومين- بالتوفيق والتيسير والتسديد.

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-‏: «وهَي أمر الخلافة جدًّا، واستقل نواب الأطراف بالتصرف فيها، ولم يبق للخليفة -القادر بالله1حُكم في غير بغداد ومعاملاتها، ومع هذا فليس فيها نفوذٌ ولا كلمة تطاع» انظر‏ «البداية والنهاية‏» (11/184).

وقال أيضًا:‏ «ثم لازم هذا الوضع المتردي الدولة العباسية إلى أن أفل نجمها، واثتل عرشها على أيدي التتار سنة ست وخمسين وستمائة حين قضى هولاكو على أخر خلفائها المستعصم بالله‏» انظر‏ «البداية والنهاية‏» (13/200).

وهكذا كانت الحالة السياسية في عصر الإمام أبي نصر السجزي، عصر الدويلات المتناحرة على السلطة، عصر السطو على سلطان الخليفة العباسي وتجرده من مسئولياته، مع الحفاظ على بقائه على عرش الخلافة اسما، والدعاء له بذلك على المنابر، مادام قانعًا راضيًا بذلك، فإن طمع في أكثر منه قضي عليه بصورة أو بأخرى، وجيء بمن هو أكثر منه قناعة، وأسلس قيادة… فاشتغال السلاطين والأمراء بالوصول إلى السلطة، شغلهم عن تأمين حياة اجتماعية كريمة آمنة للأمة.

والإنفاق المفرط على الحروب التي نشبت بينهم أرهق اقتصاد البلاد، فنضبت أكثر الموارد وتفشى بين الناس أمران خطيران: غلاء المعيشة، واضطراب نظام الأمن في البلاد: فأما الغلاء: فقد بلغ حدًا لا يتحمله عامة الناس.

ففي سنة 382 غلت الأسعار ببغداد، وهي حاضرة الخلافة» «البداية والنهاية‏» (11/332).

وفي سنة 411هــ بلغ الغلاء ذروته، والجوع غايته، فحلّ بالعراق غلاء مفرط؛ حتى أكل الناس الكلاب والحمير‏» انظر‏ «العبر‏»(3/104).

وإذا كان هذا الحال في العراق وبغداد، عاصمة الدولة وحاضرتها فما بالك بما سواها من القرى والأمصار.

لقد ضاق بأهلها الحال وجاع العيال، ومع هذا فقد كان هناك إلى جانب هذه الفاقة والجوع، وهذا الغلاء الذي حل بالبلاد، وعم أكثر العباد، كان هناك ترف وسرف في بيوت الخلفاء والأمراء، كما كان هناك جده للمال في أيدي بعض التجار وكثير من العيارين2والحرامية الذين سلبوا أموال الناس وسطوا على المتاجر والمنازل ونهبوا ما فيها، فتكونت في أيديهم ثروة وأموال أنفقوها على شهواتهم وملذاتهم.

وأما اضطراب نظام الأمن: فحدّث عنه ولا حرج.

فنتيجة لضعف السلطان وزوال هيبته، انتشر أمر العيارين والحرامية وقطاع الطرق دون أن يجدوا سلطة رادعة من الدولة في أكثر الأحيان.

ففي سنة 384هــ في خلافة القادر بالله عظم الخطب بأمر العيارين، وعاثوا ببغداد فسادًا، وأخذوا أموال الناس، وحرقوا مواضع كثيرة، وأخذوا من الأسواق الجبايات، وتطلبهم الشرط فلم يفد ذلك شيئًا، ولا فكروا في الدولة، بل استمروا على ما هم عليه: من أخذ الأموال، وقتل الرجال، وإرعاب النساء والأطفال في سائر المحال.

فلما تفاقم الحال بهم تطلبهم السلطان بهاء الدولة وألح في طلبهم؛ فهربوا بين يديه، واستراح الناس من شرهم» انظر‏ «البداية والنهاية‏» (11/212) و‏«العبر‏» (3/24).

لكن هروبهم لم يدم طويلًا، فكثيرًا ما كانوا يظهرون ويعودون للنهب والسلب. ففي سنة 390هــ عظم أمرهم، وأتوا بيوت الناس نهارًا جهارًا، وواصلوا العملات -أي: السرقات- وقتلوا… وأشرف الناس بهم على أمر عظيم وقويت شوكتهم‏» انظر‏ «العبر‏» لمؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي (3/45).

هكذا استمر بهم الحال إلى أن قتلوا صاحب الشرطة في سنة 424 وأخذوا أموال الناس عيانًا، بقيادة البرجمي الذي أرعب الناس، فكانوا لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي خوفًا منه، بل يقولوا عنه: القائد أبو علي.‏ «العبر‏» (11/330).

هذا ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى قطع طريق الحاج، وصده عن البيت الحرام، ففي سنة 392 رجع حجاج خراسان من بغداد خوفًا من الأعراب الذين عاثوا في الأرض فسادًا، ولا ناصر ولا ناظر ينصرهم، أو ينظر في أمرهم، فرجعوا إلى بلادهم ولم يحج من بلاد المشرق أحد في هذه السنة… وهكذا نرى الحالة الاجتماعية في هذه الفترة تعاني من اضطراب في الأمن، ونقص في الأرزاق إلى درجة الجوع وأكل المحرمات والمستقذرات كالكلاب والحمر؛ وذلك بسبب الفوضى السياسية التي عمت البلاد كما أشرنا» انتهى المقصود من مقدمة كتاب‏ «الرد على من أنكر الحرف والصوت‏» للحافظ أبي نصر عبيد الله السجزي أو السجستاني -تحقيق: محمد با كريم ص(22).

هذا النموذج واحد، وإلا فالنماذج كثيرة، ومراجعها وفيرة موجودة، من التمسها وجدها بسهولة، ولكن أين القارئ؟ كم هو عزيز، وأين المنصف من هذا الصنف العزيز، فهو أعزّ، بل أين الرّجاع للحق منهم إذا عرفه، هذا لا أكاد أراه في هذا المصر، وإلا فقد رأيته -وسررت به- في بلاد الحرمين -حرسها الله وسائر بلاد المسلمين-.

ولكن لا يزال، وسيظل في الأمة الخير، وسيأتي اليوم الذي ينكشف فيه الجهل بدياجيره، وتنجلي طباقاته، وتنقشع سحبه، ليسفر عن وجه الحق المشرق، فتنعم به الأنام، وتسعد به الأيام، والله غالب على أمره، والحمد لله على كل حال.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

كتبه
الفقير إلى رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 10/10/1424 هـ

  1. ومن جميل ما يذكر في هذا المقام، ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- في‏ «البداية والنهاية‏»(12/26) حوادث سنة 420هـ، حيث قال‏: «كان الخليفة القادر بالله ذا عناية بأمر العقيدة السلفية ونشرها، فقد ألَّف كتابًا في الاعتقاد، وأمر بقراءته على الناس وإلزامهم به، ورد فيه على أهل البدع، وفسَّق أو كفر من قال بخلق القرآن، وذكر ما وقع بين المريسي وعبد العزيز الكناني، وأخذ خطوط أهل العلم على ذلك وموافقتهم، وعزل خطباء الشيعة ورد خطباء السنة».

    ويحدثنا‏ «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» عن تتمة حسنات هذا الإمام فيقول:‏ «وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع، وتبرؤوا من الاعتزال، ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذ خطوطهم بذلك، وإنهم مهما خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ بهم أمثالهم» بواسطة مقدمة‏ «الرد على من أنكر الحرف والصوت‏» للحافظ أبي نصر السجزي -دار الراية ص(25) بتصرف يسير.

  2. رجل عيار: إذا كان كثير التطواف والحركة ذكيًّا. قال ابن الأعرابي: والعرب تمدح بالعيار وتذم به يقال: عيار: نشيط في المعاصي، وغلام عيار نشيط في طاعة الله. انظر‏ «لسان العرب‏» (4/623).