الرئيسة » مؤلفات الشيخ » ضوابط التكفير والتحذير من التسرع فيه الكتب المطبوعة » ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده
(أضيف بتاريخ: 2021/01/24)
بيانات الكتاب
ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده
بيان أن تكرار المعصية لا يستلزم استحلالًا ولا يدلّ على جحود، فضلًا عن تكفير، والرد على من زعم ذلك.
فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $
صغير
كتبٌ في نفس القسم
-
لا تفعلوا -يرحمكم الله- لا أسوة في الخطأ
قسم: نصح الموافق والمخالف الكتب المطبوعة
الحجم: صغير | قراءة -
عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف
قسم: التعامل مع ولاة الأمر الكتب المطبوعة
الحجم: وسط | قراءة -
موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين
قسم: نصح الموافق والمخالف الكتب المطبوعة
الحجم: وسط | قراءة -
ردوا اعتبار النصوص.. انفروا
قسم: نصح الموافق والمخالف الكتب المطبوعة
الحجم: صغير | قراءة -
تتمة البيان في ضابط الحكم على الأعيان
قسم: ضوابط التكفير والتحذير من التسرع فيه
الحجم: وسط | قراءة -
الثمر الشهي الداني في إبراز جانب من جوانب جهود العلامة الألباني
قسم: ضوابط التكفير والتحذير من التسرع فيه
الحجم: صغير | قراءة
- + تكبـير الخط
- - تصغيـر الخط
ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ… ﴾
سورة «التوبة» الآية (104)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه وآله ومن ولاه.
أما بعد:
أقول: لا يظنن ظانٌّ أن تكرار المعصية دليلٌ على إصرارٍ أو جحودٍ أو إنكارٍ، والبعضُ -هداه الله تعالى- يذهب به الجنوح مذهبًا فيُرتِّب عليه تكفيرًا، فيكون فجورًا، وما ينبغي ذلك.
أقول: تدليلًا على خطأ القول بأن تكرار الذنب دالٌّ على استحلال أو جحود أو إعراض أو إنكار؛ ومن ثَم يكفر المتلبس به، وبيان أنه ناشئٌ عن بهتانٍ مُهانٍ بمن امتهنه.
وأنه قولٌ غير مسبوق -بحسب علمي-، مما يفتقر قائله إلى سلف، يُسكن إليه، كيف، والأدلة تردّه؟
ذِكر الأدلة الدالة على أن تكرار المعصية لا يستلزم استحلالًا ولا يدلّ على جحود، فضلًا عن تكفير:
وللتدليل على ردّ هذا الفهم من صريح القرآن وصحيح السنة وفهم سلف الأمة:
أ- يردّ هذا الفهم دلالة أسماء الله تعالى: الغفار، والتواب، والرحيم، والودود، وما دار في فلكها. وتعلقها بالباب لا يخفى، ناطقة بل قاضية بالغفران، ولو مع تكرار، وسيأتي.
ب- قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ سورة «آل عمران» الآية(135).
مع ضميمة قوله: «كل ابن آدم خطاء…» الحديث.
و «إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل…» الحديث وله أشباه ونظائر.
والمقصود بالإصرار في قوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾: «التسويف، والتسويف أن تقول أتوب غدًا، وهذه دعوى النفس، كيف يتوب غدًا، وغدًا لا يملكه؟!» «الجامع لأحكام القرآن» (2/4/209).
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «أي: تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى الله عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويُصرُّوا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب، تابوا منه.
كما قال الحافظ أبو يعلى في مسنده… عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «ما أصرّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة» ورواه أبو داود والترمذي والبزار في مسنده… فهو حديث حسن، والله أعلم» «تفسير القرآن العظيم»(1/416) ط. دار المعرفة. قلت: والحديث في «ضعيف الجامع…» برقم(5004).
وفي قوله ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-: «فيه أقوال:
فقيل: أي: يذكرون ذنوبهم، فيتوبون منها. قال النحاس: وهذا قول حسن.
وقيل: وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار.
وقال عبد الله بن عبيد الله بن عمير: وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم.
وقيل: يعلمون أنهم إن استغفروا، غُفر لهم.
وقيل: يعلمون: بما حرمت عليهم، قاله ابن إسحاق.
وقال ابن عباس والحسن ومقاتل والكلبي: وهم يعلمون أن الإصرار ضار، وأن تركه خير من التمادي.
وقال الحسن بن الفضل: وهم يعلمون أن لهم ربًا يغفر الذنب.
قلت -الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى:
وهذا أخذه من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي –صلى الله تعالى عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «قال: أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب.
ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت» «صحيح الإمام مسلم» كتاب التوبة «باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة»(6/17/75-76)» «الجامع لأحكام القرآن»(2/4/209) ط. مكتبة الرشد.
وللاحظٍ أن يلحظ: قوله تعالى ﴿ لذنوبهم ﴾ ولم يقل سبحانه (لذنبهم)، ويدخل فيه -مع التنوع- تكرار آحاد الذنوب، لا سيما ذنب تشرئب إليه نفوس، خلافًا لمَا تأنفه.
كما يلحظ: فيما تقدم من أقوال، أنه لم يُجنح قول منها إلى الحكم بالتكفير، وحاشاهم.
جـ- وإليكموا دليل آخر دلالته نصيّة، بل وشاطَرَه منطوق ترجمة الإمام البخاري -رحمه الله تعالى:
جاء في صحيح الإمام البخاري– رحمه الله تعالى- كتاب الحدود «باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة».
عن عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه- أن رجلًا كان على عهد النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- كان اسمه عبد الله وكان يلّقب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-، وكان النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- قد جلده في الشراب، فأوتي به يومًا، فأمر به فجُلد.
فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به!
فقال النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» «صحيح الإمام البخاري» كتاب الحدود «باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة» برقم(6780) ط. الريان.
وتحته:
مما قاله الحافظ –رحمه الله تعالى: «وفيه الردّ على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر؛ لثبوت النهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له…
ويؤخذ منه تأكيد ما تقدم أن نفي الإيمان عن شارب الخمر لا يراد به زواله بالكلية، بل نفي كماله كما تقدم…
ذكر ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أنه أُتي به أكثر من خمسين مرّة…» «فتح الباري…» (12/80)
قلت:
هذا في زمانِ تَلَقِّي بل وَتلقُّفِ الوحي وإشاعته، والحرص على إذاعته، وما خبر الفاروق وصاحبه -رضي الله تعالى عنهما- في التناوب لحضور مجلس النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- حرصًا على الخير؛ عنا ببعيد.
ثم انظر إلى سياق كلام الحافظ –رحمه الله تعالى- كيف طابق بين القول بكفره مع نقله لتكرار الفعل وبين منهج الخوارج.
د- وقد تقدم حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- عن النبي –صلى الله تعالى عليه وسلم- فيما يذكر عن ربه عز وجل قال: «قال: أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب.
ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت» «صحيح الإمام مسلم» كتاب التوبة.
وتحته:
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: «هذه المسألة تقدمت في أول كتاب التوبة، وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة، أو ألف مرة، أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته وسقطت ذنوبه.
بل.. بالنظر إلى الترجمة، إذ قال الإمام النووي –رحمه الله تعالى- وهو الفقيه: «باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة» شرح صحيح الإمام مسلم «كتاب التوبة» باب «قبول التوبة…»(6/17/75-76) ط. الريان.
وفي هذا أيضًا: ردّ دعوى البعض بأن تكرار الفعل وتكرار التوبة، هو درب من دروب الاستهزاء، ثم يكفرون، وهذا كسابقه.
هـ- حديث قاتل المائة: وحكاية النبي -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- خبر توبته، دون إنكار على فتوى العالم.
كيف.. وقد سيق مساق الإقرار؛ تقريرًا.
كيف.. وهو يجلي حقيقة التأله الكامنة في أعماق قلب، تقلب قتلا، آخذة بلُبّه، لتصرع انحرافه وتقوّم انجرافه.
كيف.. وصدقه قد ساقه إلى ما فيه نجاته، والربّ شاهد شاكر.
في دلالة ناطقة بل صارخة، على أن تكرار الفعل لا يلزم منه البتّة استحلالًا، ناهيك عن تكفيرًا. وسيأتي.
و- حادثة الربيّع –رضي الله تعالى عنها-: قال الحافظ –رحمه الله تعالى: «وقد ذكر جماعة أنهما قصتان والمذكور هنا طرف من حديث أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس -رضي الله تعالى عنه-: «أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا فاختصموا إلى النبي ﷺ.
فقال: القصاص القصاص.
فقالت أمّ الربيع: يا رسول الله: أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها.
فقال: «سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله».
فما زالت حتى قبلوا الدية.
فقال: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره».
والحديث المشار إليه في سورة البقرة مختصر من حديث طويل ساقه البخاري في الصلح بتمامه من طريق حميد عن أنس وفيه: فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا، والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها.
قال: «يا أنس كتاب الله القصاص».
فرضي القوم وعفوا.
فقال: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره…».
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: «قال العلماء المعروف رواية البخاري، ويحتمل أن يكونا قصتين.
قلت: وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان وقعتا بامرأة واحدة، إحداهما: أنها جرحت إنسانًا فقضى عليها بالضمان، والأخرى: أنها كسرت ثنية جارية فقضى عليها بالقصاص، وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية.
وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين: ظاهر الخبرين يدل على أنهما قصتان…
قلت: في القصتين مغايرات» «فتح الباري» كتاب الديّات باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات (12/224) ط. الريّان.
قلت: فتأمل هذا التكرار، وتدبر هذا الإلحاح مع التأكيد والتوكيد: بالتكرار والقسم!!
ثم.. تدبر في قوله: «فما زالت»، والمضارعة دالة على تكرار، مع ضميمة السياق وقد شهد على إصرار، وهذا بعد بيان النبي -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- وهو المؤيَّد المعصوم، ولي الأمر الأكبر.
بل واستدل صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- وقوله دليل- لحكمه بقضاء ربه -عز وجل- من فوق سبع سماوات.
ينبيك عن وجوب مراعاة الحال، والاستفصال قبل استصدار كل الأحكام، فكيف بأعظمها: التكفير؟!!
وأيضًا للمناسبة:
قد تكرر على الأسماع قول؛ فيه نوع إيهام، منقول على لسان أهل الأصول: ذاك القول– وهو عندي كسابقه: غول-: أن مخالفة أمر النبي: كفر. وفي بعضها قيّد ذلك بحال حياته -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-.
ولا يخفى أن باب التكفير باب توقيفيٌّ غيرُ توفيقيٍّ، ضوابطه مضبوطة، كيف ويردّه بل ويرجمه جملة من النصوص هي أبهى من الفصوص، منها الحديث المذكور، وغيره1، وهو هنا كما هو ظاهر قد استوفى شرطه، بل زاد إصرارًا مؤكدًا بقسم عظيم2، ومع ذا فتأمل العاقبة، لم تكن تكفيرًا، بل كانت تطييبًا.
في إيماءة إلى مصابرة صبر، مع تكرير نصح، إحسانا.
فأحسن أخي -أحسن الله تعالى إلينا وإليك والمسلمين- بالإقلاع عن هذا البهتان؛ وعليك برحمة آبق أو وسنان، بلطف مقال وحنو فعال، وربك رحمان.
قل لي بربك: كيف لو قلب عليك دليلَك رجلٌ، قائلًا: أنت تدعو للتمسك بالكتاب والسنة -وهي دعوة عظيمة جليلة- فأين دليلك على تكفير مخالف سنة3 والتكفير تعلقه بباب الإيمان، وهذا الباب يقوم على اليقينيات، لا الظنيّات ولا التصورات؟!
ز- أعود فأقول: لا يلزم من تكرار الفعل والإصرار عليه: استحلال، فضلًا عن إكفار4.
برهان ذلك: فتنة خلق القرآن، مع:
(1) شدة ظهور الحق، وإشراقة برهانه، وتعلقه بمسألة من ظهورها أطلق علم التوحيد عليها !!!.
(2) توفر العلم، وتوافر الأئمة الذين يملأ ذكرُهم السمع والبصر، وما نقل عنهم تكفير أعيان بل اعتذارات ودعوات.
(3) انتصاب المناظرات تلو المناظرات، وما حوته من بينات، وتضمنته من صولة الحق وسطوته؛ قاضية بقبرها.
وحدّث ولا حرج عن إصر الإصرار عليها، إذ سعت في أسر التأريخ معها عشرين سنة! عشرون سنة إصرارا! تكنفتها: سجون وشجون، وقتل وجراح، وإحراج بقطع الأرزاق، وما سمعنا تكفيرًا، لشدة الشبهة ما كان إلا الصبر الصابر، والدعاء الصالح.
خامسًا: حتى لو سلّمنا جدلًا أن التكرار دليل إصرار، بل لو كان حتى استحلالًا، ما أوجب تكفيرًا ابتداء5.
برهان ذلك: خبر وأثر.
أما الخبر: فخبر عثمان بن مظعون -رضي الله تعالى عنه- ورفاقه.
وأما الأثر: فتضمن مع الخبر فهمًا -وفهم هو الفهم- إنه فهم إمامٍ في الفهم إمامٌ همامٌ، أعني: شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- إذ قال في ردِّه على البكري، ما نصه:
«الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى.
وكذلك: التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله.
وأيضًا: فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيء من الدين يكفر.
ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحًا على ما فهموه من آية المائدة.
واتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال ابتداءً لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق وإذا أصروا على الجحود، كفروا6.
وقد ثبت في «الصحيحين» حديث الذي قال لأهله: «إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذروني في اليّم …» فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته، وأنه لا يعيده، أو جوز ذلك، وكلاهما كفر، لكن كان جاهلًا لم يتبين له الحق بيانًا يكفر بمخالفته فغفر الله له.
ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية من النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهال.
وكان هذا الخطاب لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم» «الرد على البكري» ص(258-260) ط.السلفية بمصر.
أقول: فأنت ترى كيف أن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أشار إلى مسألتنا بقوله: «واتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق، وإذا أصروا على الجحود، كفروا».
فذكر -رحمه الله تعالى- الإصرار على الاستحلال، والإصرار على الجحود، وأرجأ الكفر بعد البيان. وعليه:
ثانيًا: نحن لا نُسلِّم أن تكرار الفعل دالٌّ على استحلالٍ، للأدلة السابقة السامقة، واعتبار عوارض أخرى عوامل:
كقوة الشبهة7، أو قوة الشهوة، أو الضعف الفطري، أو الضعف الإيماني، أو التزيين الشيطاني، أو الحاجة الملجئة أحيانًا... إلخ.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى: «إنما يوقع النفوس في المحرمات الجهل أو الحاجة، فأما العالم بقبح الشيء والنهي عنه، فكيف يفعله؟!
والذين يفعلون هذه الأمور جميعها قد يكون عندهم جهل بما فيه من الفساد، وقد تكون بهم حاجة إليها، مثل الشهوة إليها، وقد يكون فيها من الضرر أعظم مما فيها من اللذة ولا يعلمون ذلك لجهلهم، أو تغلِبُهم أهواؤهم حتى يفعلوها.
والهوى غالبًا يجعل صاحبه كأنه لا يعلم من الحق شيئًا، فإن حبك للشيء يُعمي ويَصم، ولهذا كان العالم يخشى الله.
وقال أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴾ سورة «النساء» الآية(17) فقالوا: كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب» «مجموع الفتاوى»(27/90-91).
قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ سورة «التوبة» الآية (104).
وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ سورة «الشورى» الآية ( 25).
وأجمل، وما أجمل ما ذكره الجبل الجميل، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إذ قال: «ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق» «تفسير آيات أشكلت» (2/595).
وفي الأخير: أقول: يجب علينا أن نتقي الله تعالى فيما نقول ونذر، وأن نكون أخشى الخلق للخالق، وأرحم الخلق بالخلق، وأسرع الخلق أوبة للحق إبان ظهوره.
وعليه.. فالمرجو أيا مكرم -يرحمك الله تعالى- الإقلاع عن هذا القول، والانضباط بضوابط الشرع، واعتبار شروط أهل العلم المتقررة، والتي هي قرة عيون الموحدين، وبهجة صدور العالِمين، ومن أبرزها وأظهرها: لا عقوبة إلا بعد استبيان.
وليعلم الجميع: أننا -حكام ومحكومين، عالمين ومتعلمين، صالحين وطالحين- نَشرُف ونَعظُم ما تمسكنا، فإن خالفنا، خولفنا وخفنا وخوّفنا، إذ القربى -للخالق- والقبول -عند الخلق-، قرائن الإصابة والإخلاص.
والنصيحة عامة: اتبع -يرحمك الله تعالى- منهج أهل الحديث حقيقة، ارفع عقيرتك بالحق بحق، أعلنها سلفية نقية، تبرأ من تلك الفرق المتفرقة المفارقة للفرقة الناجية، حاربها؛ طاعة لله تعالى، واتِّباعًا للسنة، وسلامة للملة، وصيانة للأمة.
هذا.. وأرجو لعموم المسلمين الخير، وأسأله تعالى لخواصهم توفيقصا، ووفاة على السنة، متبعين غير مبتدعين، لا مغيرين ولا مبدلين، ناصرين للحق بالحق، منتصرين به، محبين ومحبوبين من أهله.
والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
غفر الله تعالى له ولوالديه ومشايخه والمسلمين
في: 28/12/1428هـ -6/1/2008م
- يجمعها: قول الصحابي العظيم وكل الصحابة كذلك جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما: «هل كنتم تزعمون أحدًا من أهل القبلة مشركًا؟ فقال: معاذ الله! وفزع لذلك. قال: هل كنتم تدعون أحدًا منهم كافرًا؟ قال: لا» قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.ورواه الإمام أحمد وصححه الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (3294) ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان له بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني: ص(98) وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهذه فتوى جمعت بين المسألتين: الإصرار، مع القسم على مخالفة النبي -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- ننظرها، لتكونَ لنا نبراسًا في هذا الباب، وأراني في غنى عن القول بأننا لا نهون من خطر المعاصي ناهيك عن تكرارها، ولا نقرّ مخالفة سنة، إنه لأمر عظيم جد عظيم، أما التكفير فشيء آخر، وما تقدم تحريرًا لمحل النزاع، دفعًا لرتع باغ.
فتوى العلامة جلال الدين السيوطي $:
«مسألة: رجل حكم بحكم، فأنكره عليه قضاة بلده، فقال له سلطان البلد: ارجع عن هذا الحكم؛ فإنه لم يوافقك عليه أحد. فأبى، وحلف أنه لا يرجع لقول أحد، ولو قام الجناب العالي -عليه الصلاة والسلام- من قبره ما سمعت له، حتى يريني النص، فهل يكفر بهذا…؟
الجواب: أما قوله الأول، وهو قوله: «لا يرجع لأحد، ولو قام -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- من قبره، ما سمع له حتى يريه النص» فهذا له ثلاثة أحوال:الحال الأول: أن يكون هذا صدر منه على وجه سبق اللسان، وعدم القصد، وهذا هو الظن بالمسلم واللائق بحاله. ولعله أراد مثلًا أن يقول: ولو قام مالك من قبره، فسبق لسانه إلى الجناب الرفيع؛ لحدة حصلت عنده.
فهذا لا يكفر، ولا يعزر، إذا عرف بالخير قبل ذلك، ويقبل دعوى سبق اللسان، ولا يكتف منه في خاصة نفسه بذلك، بل عليه أن يظهر الندم على ذلك، وينادي على نفسه في الملأ بالخطأ، ويبالغ في التوبة والاستغفار، ويحثو التراب على رأسه، ويكثر من الصدقة والعتق والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والاستقالة من هذه العثرة.
الحال الثاني: أن لا يكون على وجه سبق اللسان، ولا على وجه الاعتقاد الذي يذكره المصمم، فيقول مثلًا: لو أمرني الإنس والجن بهذا ما سمعت لهم، ولو روجع في خاصة نفسه، لقال: ما أردت ظاهر العبارة، ولو قام النبي-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- من قبره حقيقة وقال لي، لبادرت إلى امتثال قوله، وسمعت من غير تلعثم ولا توقف.
ولكن هذه عبارة قلتها على وجه المبالغة؛ لعلمي بأن قيامه الآن من قبره وقوله لي، غير كائن، وهو محال عادة.
فهذا لا يكفر، ولكنه أتى بعظم من القول، فيعزل من الحكم بين المسلمين، ويعزر تعزيرًا لآئقًا به، من غير أن ينتهي إلى حد القتل.
الحال الثالث: أن يكون على وجه الاعتقاد، بحيث يعتقد في نفسه أنه لو كان النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- حيًا، وقال له «الحكم بخلاف ما حكمت» لم يسمع له، وهذا كفر، نعوذ بالله منه.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِين ﴾ سورة «آل عمران» الآية(32).
وقال تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ سورة «النساء» الآية(65).
وقصة الذي حكم له النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- فلم يرض بحكمه، وجاء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ليحكم له، فقتله عمر بالسيف، مشهورة. وقد أهدر النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- دمه.
والعجب من قوله: «ما سمعت له حتى يريني النص» وقوله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- نفسه هو النص…» «تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغنياء» للسيوطي ص(60-62).
قلت: فانظر للتفصيل قبل استصدار الأحكام؛ إذ الحكم على الأمر المجمل مقارن البطلان. وتأمل كيف رتّب الحكم على الاعتقاد، مما يفتقر إلى استبيان، وقدّمه بالبيان، فاعقد على ذا قبل البنان الجنان.
وأما إطلاق الحكم: فمحول عليه –أي: على الإطلاق- هذا أولا.
وثانيًا: اعتبار أمر النفاق في الباب، فأنت ترى تعدد مخالفات بين يدي النبي –صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- ولم يكن قط تكفيرًا، فيعتذر لمخالف الأصل بقصره على النفاق وأهله -وأمر النفاق مردّه للوحي أو الإقرار- لا سيما وهو هنا ليس معرضًا فحسب، بل معرضًا ومعترضًا، وهو الأفحش، في دلالة على نفاق.
ثالثًا: تقرير أمر هذا الحكم مقصور على حياة النبي -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- لا بعد الممات. بدلالة (لو) في السياق، على التفصيل الثابت، إذ وقوعه من أهله إعراب عما تكنه قلوبهم من نفاق اعتقادي، والوحي فاضح.
وعليه.. فهذا الحكم مقبور مع النبي –صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- وبقي وجوب إقامة الحجة وبيان المحجة قبل الحكم.
رابعًا: اعتباره كفر، بالنظر إلى المآل: حملًا على باب إطلاق الحكم على مآل الفعل، وهو معروف في لسان العرب، نصرته أدلة، وبوّب به بعض أئمة الحديث، والمعنى أن مخالفة أمر النبي -صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- قد تؤدي إلى الكفر، وفيه: قال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ سورة «النور» الآية(63) وقول الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فيها قاض به.
أما عن قتل الفاروق –أحد الوزيرين- للرجل لا يستلزم منه تكفيرًا بل تعزيرًا، وقبوله للإقرار المعصوم، وحادثة الحبّ بن الحب -رضي الله تعالى عنهما- فيها برهان أن التعويل على الإقرار، وقد انقطع بعد الإقبار، فبقي الإعذار، والله تعالى غفّار جبّار.
- هكذا إجمالا: بغض النظر عن مهية تلك السنّة، وحال الشخص، ومراعاة الزمان والمكان. ولو قلت أنك قصدت الإطلاق ولم تقصد تعيينا، فعليك ببيانٍ يرفع الإيهام، ترحم به أنام، في هذا الباب وسلفه من أبواب، بل كل الأبواب لا سيما في زمان كزماننا.
مع التذكير بنهي السلف عن الإجمال، كما ذكر العلامة شمس الدين ابن القيم، والشيخ السعدي –رحمهما الله تعالى- وغيرهما. كيف وفتنة أهل الزيغ والانحراف في أيامنا سرت وأسرت على فساح ومراح الإجمال والإيهام، فأحبلت عُجما بُهما، وأولدت سوائم شوارد.
وفي الباب يقول الإمام السكوتي -رحمه الله تعالى- بعد أن حذر من ابن عربي: «وليحذر في مواضع كثيرة من كلام ابن عربي الطائي في فصوصه وفتوحاته المكية، وغيرها.
وليحذر أيضًا من مواضع كثيرة من كلام ابن الفارض الشاعر وأمثاله؛ مما يشيرون بظاهره إلى القول بالحلول والاتحاد؛ لأنه باطل بالبراهين القطعية…
ثم قال: وكل كلام وإطلاق يوهم الباطل، فهو باطل بالإجماع، فأحرى وأولى ببطلانه إذا كان صريحًا في الباطل…
فإن قالوا: لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الاتحاد والحلول، وإنما قصدنا أمرًا آخر يفهم عنا.
قلنا لهم: الله أعلم بما في الضمائر وما يخفى في السرائر، وإنما اعتراضنا على الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد والحلول والاتحاد»أهـ «الشيخ عبد الرحمن الوكيل وقضايا التصوف» للشيخ فتحي بن أمين عثمان ص(45-46) بتصرف يسير.
- وفي إبطال هذا اللازم -وكلِّ لازم، ما لم يلتزمه صاحبه ويبين له- في باب التكفير خصوصًا، قال الإمام أبو محمد ابن حزم -رحمه الله تعالى-: «وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم، فخطأ، لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به» «الفصل»(3/294).
ويقول شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى: «فالصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبًا عليه…» «مجموع الفتاوى» (20/217).
ويقول ابن حجر المكي -عفا الله تعالى عنه-: «الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف: أنا لا نكفِّر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح، لا استلزامي، لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم» «تحفة الأحوذي» (6/302).
قلت: مع اعتبار بقية ضوابط الباب، وإذا كان هذا في حكم أهل البدع، فلأن يكون فيمن دونهم من أهل الكبائر لا المعاصي فقط من باب أولى.
وهذا المزلق -أي: التكفير بلازم القول- وقع به أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضًا.
يقول ابن رشد: «وأكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل» «بداية المجتهد» (2/343).
لذا استقبح العلماء التكفير باللازم، واعتبروه ضربًا من الجهل ورِقَّة الدين، «وقد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام، فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى» «السيل الجرار…» (4/580).
- وفي منع الزكاة، ونحوها: قال الحافظ –رحمه الله تعالى-: «واستقر الإجماع عليه في حق من جحد شيئًا من الفرائض بشبهة، يطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة، فإن رجع؛ وإلا عومل معاملة الكافر حينئذ» «فتح الباري» كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم والمعاندين وقتالهم» باب «قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة»(12/292).
قلت: وفي هذا دليل على أن الجاحد وإن جحد، لا ينبغي المبادرة إلى الحكم بردّته، فالإطاحة برقبته، قبل إقامة الحجة.
وكذلك في حديث شارب الخمر مستحلًا له، دليل على أن المستحل تقام عليه الحجة كذلك، أي: لا يكفر بمجرد استحلاله.
فإذا كان هذا هو الواجب المتعين في بابي الجحود والاستحلال، فكيف بما دونهما من أبواب؟!!!
بل في باب الردة، فإن أعلن آبق الردة، فما الواجب تجاهه، آلاستبيان والتبين، أم التكفير فالقتل؟
في «استتابة المرتد» قال ابن القصار بعد أن نقل الإجماع على الاستتابة مستدلًا بقول عمر –رضي الله تعالى عنه- أنه: «كتب في أمر المرتد: هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفًا؛ لعله يتوب فيتوب الله تعالى عليه؟
قال: «ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله ﷺ: «من بدل دينه فاقتلوه» أي إن لم يرجع، وقد قال تعالى: ﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ﴾ سورة «التوبة» الآية(5)» «فتح الباري…» كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» باب «حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم»(12/282).
فهذا لم يصرّ على معصية، بل أصر على الكفر بالشريعة جملة، وما كان معه إلى البيان والتبيين قبل إنزال الأحكام، هذه شريعة الرحيم الرحمن، التي جاء بها الأمين، إلى المبعوث رحمة للعالمين.
قلت: وفي حادثة أمير المؤمنين علي -رضي الله تعالى عنه- مع السبئية، وإمهالهم ثلاث في أمر عظيم عظيم، شاهد آخر شاهق.
فسلم لنا القول بأنه: لا يكفر مسلم –أيُّ مسلم- تعيينًا، لقولٍ قاله، أو فعلٍ فعله، وإن عظم؛ إلا بعد استبيان.
- وحاشاهم، فتلك الكوكبة سبق لهم من ربهم الرضا.
- وتحت آية الإصرار المنصرمة: « ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون» ذكر العلامة الشوكاني -رحمه الله تعالى– عن الحكيم الترمذي– عفا الله تعالى عنه- قولًا فيه دلالة، إذ قال: « صاح إبليس بجنوده، وحثا على رأسه التراب، ودعا بالويل والثبور، حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر، فقالوا: مالك يا سيدنا؟ قال: آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحد من بني آدم، ذنب.
قالوا: وما هي؟ فأخبرهم. قالوا: نفتح لهم باب الأهواء، فلا يتوبون ولا يستغفرون، ولا يرون إلا أنهم على الحق، فرضي منهم بذلك» «فتح القدير…»(1/382) ط. دار الفكر.
-
موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين
حجم الكتاب: وسط
( قراءة ) -
الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لبعض مفردات منهج التصوف السافر
حجم الكتاب: وسط
( قراءة ) -
عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف
حجم الكتاب: وسط
( قراءة ) -
بيان أن الله تعالىٰ لا يؤاخذ إلا بعد بيان ولا يعاقب إلا بعد إنذار
حجم الكتاب: صغير
( قراءة )