الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التعامل مع ولاة الأمر   »   الصارم البتار المنكي في نحر مدعي القول بأننا نعيش في العهد المكي

(أضيف بتاريخ: 2021/10/20)

بيانات الكتاب

الصارم البتار المنكي في نحر مدعي القول بأننا نعيش في العهد المكي

الصارم البتار المنكي في نحر مدعي القول بأننا نعيش في العهد المكي

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

21/5/1424هـ الموافق: 21/7/2003م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 700 KB )

قراءة

( 7 صفحة )
الصارم البتار المنكي في نحر مدعي القول بأننا نعيش في العهد المكي
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

الصارم البتار المنكي
في نحر مدعي القول بأننا نعيش في العهد المكي

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد……………. كان الله تعالىٰ له.

إلىٰ: أخيه…………………………. عمم الله به النفع.

سلام عليكم، وبعد:

تقدم معنا أن بينا لكم -وأنتم أهل فضل- أن من مسائل التكفيريين التي أحيوها في هذه الأزمان، بدعة القول بأننا نعيش في العهد المكي، ومقتضىٰ هذا القول: تكفيرُ الخلق، وهذا قولٌ كُبّار، صادر من أنوك يأفوف مأفوك يريد الإفساد، وجرّ الأمة من جديد إلىٰ مهاوي الفتن وأودية الردىٰ.

والغريب العجيب أن العهد بمثل هذه الدعاوىٰ قريب، وأثره له في نفوسنا وقع أليم مرير، وأصحابه صرخوا من السجون صرخات ندم مصحوبة بأنين مقرة بأنها كانت بمنأىٰ عن الصراط المبين، ترجوا عفوًا تنعم معه بحياة المسلمين، ولكن لا مجيب.

فأقول: بادئ ذي بدء نقرر أن علماء الأصول -علوم القرآن وأصول التفسير- لما تكلموا في العهدين المكي والمدني، ذكروهما كمرحلتين للتشريع؛ لتمييز الناسخ من المنسوخ، ومعرفة أساليب الدعوة إلىٰ الله عز وجل، وبيان أن لكل مقام مقال، ومراعاة مقتضىٰ الحال، ومعرفة تدرج الأحكام…

يقول الشيخ عبد الرحمن المعلا -زاده الله تعالىٰ توفيقاً- بعد أن أشار إلىٰ بعض ما تقدم في كتابه‏ «الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة‏» ص (516)‏: «ولكن ليس من فائدة العلم بالمكي والمدني، ترتيب أحكام التدرج والمرحلية علىٰ الناس، فلا يقال أننا نعيش عهدًا شبيهًا بالعهد المكي عهد الاستضعاف، وعليه فيجب أن نأخذ بأحكام العهد المكي -أي مرحلة الضعف وعدم التمكن وغلبة الكفار-.

وذلك لعدة أمور:

1- أن استنباط الأحكام الشرعية يتم من أدلتها وفق قواعد أصولية بينها العلماء في كتب أصول الفقه، وليس من أدلة التشريع، ولا من قواعد الاستنباط النظر في الزمان ومقارنته بأي من العهدين المكي والمدني، ثم القياس علىٰ النظير.

2- أن العهد المكي كان الضلال يعمّ الأرض فيه، مع استضعاف جميع المسلمين، وعدم تمكنهم من إعلان دينهم. وأما عهود الاستضعاف التي تمر بها الدعوات التجديدية، فإنها عهود محددة الزمان والمكان، فلا يمكن أن تعيش البشرية كلها في ضلال سابق الوعد بأنه لا تزال طائفة من أمة محمد -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- علىٰ الحق منصورة.

3- أن العهد النبوي مكّيّه ومدنيّه عهد تشريع ولم يكتمل الدين فيه بعد… وأما بعد ذلك فقد كمل الدين، ولم يعد هناك مجال للتشريع.

ومع ذلك فإن الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدعوات أو يمر بها عموم المسلمين في عهد من العهود ليست تخلو من الأحكام الملائمة لها، بل لها أحكام تدخل تحت أبواب الرخص، أو يكون الحكم داخلًا تحت الاستثناء من الأصل لفقدان شرط أو لوجود مانع.

ولعل في المثال الآتي ما يوضح هذا: الجهاد من أوجب واجبات الإسلام، فهو ذروة سنامه، ولكن نظرًا لضعف المسلمين، وعدم تمكنهم في العهد المكي لم يشرع الجهاد إلا في العهد المدني، وأُمر الرسول -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- وصحابته بكف الأيدي وعدم رد العدوان، وقد تمر بالمسلمين حالات ضعف وعدم قدرة علىٰ الجهاد في زمن من الأزمان أو بلد من البلدان، كأن يكون المسلمون أعدادًا يسيرة في مقابل الكفار ولا سلطان لهم فيعذرون بترك الجهاد مؤقتاً، ويؤمرون بالاستعداد وأخذ الأهبة حتىٰ تتحقق لهم القدرة.

ومأخذ الحكم هنا، هو قول الله تعالىٰ: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن:16]، وقوله: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [البقرة:286]، ونحوها من الآيات المقررة لعدم التكليف بما لا يطاق، لا أن مأخذ الحكم كون العهد شبيهًا بالعهد المكي. إذ لو أخذ بهذه المرحلية، وجعلت أصلًا من أصول الأحكام لأدىٰ ذلك إلىٰ فساد عريض، لا يقول به إلا مارق من الدين.

ويتبين هذا الفساد من جانبين:

الأول: تضييع فرائض من الدين، يعد تركها كفرًا بالله -عز وجل- فالصلاة لم تفرض إلا في أواخر العهد المكي والصيام لم يفرض إلا في السنة الثانية للهجرة، والحج والزكاة وغيرها من فرائض الدين لم تنزل إلا في العهد المدني. فلو أخذ بهذه المرحلية وجعلت أصلًا من أصول الأحكام؛ لكان من أول مقتضيات تضييع هذه الفرائض والقول بعدم وجوبها.

ثانيا: ارتكاب كثير من المحرمات البين حرمتها، واستحلالها بهذه المرحلية مما يعد خطرًا كبيرًا علىٰ الدين، فإن الخمر مثلًا لم تحرم التحريم القاطع إلا في المدينة ولو قيل هذه المرحلية لكانت الخمر حلالاً.

وفي الجملة: فإنه لا يصح أن تجعل هذه المرحلية طريقًا وأصلًا من أصول الأحكام، لأن أصول الأحكام ليست نتاج رأي بشرىٰ، بل كل أصل منها مقرر بكثير من الدلائل، والمُراجع لما كتبه العلماء في أصول الفقه يجد هذا به.

ولقد أخذ بعض المعاصرين بمبدأ مرحلية الأحكام، وقالوا‏: ‏من العقيدة أن يؤخذ الدين علىٰ صورته التي نزلت علىٰ النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- فنأخذ الأحكام علىٰ مراحل كما كان متبعًا في أول الإسلام، وهو البدء بما نزل في مكة بالنسبة لعهد الاستضعاف الذي نعيش فيه حالياً، فإذا تمكنت الجماعة من الوصول إلىٰ السلطة1 وحكمت بالإسلام أخذت بما نزل في المدينة في عهد التمكين، أما العصر الذي نعيش فيه فهو عصر استضعاف.

ومبنىٰ هذا القول: علىٰ تكفير المجتمع، إذ أنهم لما قالوا بتكفيره جوبهوا بإشكالية التعامل مع المجتمع وكيف يكون، فاستندوا إلىٰ هذه المرحلية وجعلوها المفزع من المأزق الذي وقعوا فيه.

ولذلك فإن مما قالوه بناء علىٰ هذه المرحلية ما يلي:

1- جواز الزواج بالكافرات (بزعمهم).

2- جواز الأكل من ذبائح الكافرين (بزعمهم).

3- عدم وجوب صلاة الجمعة والعيدين2.

4- كف الأيدي وإيقاف الجهاد.

والرد علىٰ هذه الآراء من جهتين:

1- أن المجتمع المكي كان مجتمعًا جاهليًا كافراً، أما المجتمعات التي طبقوا عليها أحكام المرحلية فهي مجتمعات مسلمة غير كافرة.

2- أن الاستضعاف الموجود في العهد المكي مانع من أداء الطاعات والعبادات الفردية، حتىٰ كان مجرد الجهر بالقرآن كان صعبًا ومؤديًا إلىٰ الإيذاء، وهذا غير موجود في العهد الذي طبقوا عليه أحكام المرحلية‏» ‏‏«الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة‏» للشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق ص (516-519).

وبعد.. أخي السلفي:

احذر من قول كل تكفيري جاهل يتكلم في مثل هذه المسائل -أعني: مسألتي هل ديار المسلمين ديار حرب أو ديار إسلام، أو أن الدعوة اليوم هي دعوة العهد المكي- وقد تقدم بطلان اعتقاد أصحابها، ووقفتَ من خلال ما ذُكر علىٰ خطورة تبنِّيها والقولِ بها.

ولك أن تتصور أثر هذا الاعتقاد علىٰ الدين والنفس والعرض والمال، فالله تعالىٰ المسؤول أن يمن علينا بالاستقامة في الدين، ويقينا شر البدع والمبتدعين، وأن يوفق ولاة أمور المسلمين إلىٰ ما فيه الخير، وأن ينعم علىٰ بلاد المسلمين بالإيمان الذي منه ينبثق الأمن.. آمين.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الراجي عفو ربه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 21/5/1424هـ الموافق: 21/7/2003م

  1. قال محمد حسان أحد دعاة المنهج القطبي‏: ‏«فواجب على كل مسلم ألا يذعن لهذه القوانين الوضعية الكافرة، ويجب عليه أن ينكرها ويجاهدها على قدر استطاعته. نعم.. يجب عليه أن ينكر هذا المنكر الأكبر، وأن يتبرأ إلى الله منه، وأن يشهد الله وهو العليم الخبير أنه مكره ولا طاقة له سوى ما يبذل وما يقدم وأنه لا يقرّ هذا الكفر والظلم والفسق.

    وأود أن أبشر من تتقطع قلوبهم كمدًا وغيظًا وهم لا يملكون من الأمر شيئًا بأن هناك بارقة أمل في هذا الليل الدامس وفي هذه الظلمات الحالكة، فها هي كتائب الصحوة الإسلامية المباركة تتوالى وتنمو وها هو الشباب المسلم والفتيات المسلمات، وها هي قلوب عامة المسلمين تنكر وترفض كل ما يقول به الزعماء والقادة المصطنعون، من عمليات الهدم والتخريب والتغريب والتدمير والتحطيم!! في الوقت الذي تنتكس فيه رايات الإباحية والإلحاد. وهذا وعد الله، ووعد الله حق وصدق ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ… ﴾ الآية.

    وأنا ألقي بالمسئولية على كل مسلم ومسلمة وأحمله الأمانة في أن يتحرك من الآن لدين الله وألا يتكاسل، وألا يقلل من شأن حركته وجهده لدين الله عز وجل، وألا يظن أن الدين مسئولية الدعاة والعلماء وحدهم، بل أنت جندي لدين الله وأنت أيتها المسلمة أمينة على دين الله عز وجل، فهيا حان وقت العمل، هيا نتكاتف جميعًا ونتفق جميعًا، على تغيير هذا المنكر الضخم، وأن نحاول بصدق أن نرد المسلمين إلى الإسلام بعد العيبة التي هم عليها منذ زمن طويل بعيد، هيا يا أحفاد أبناء دار الأرقم تحركوا لدين الله عز وجل، وتحملوا الأمانة وارفعوا الراية‏» انظر كتابه «حقيقة التوحيد‏» طبعة دار نور الإسلام – المنصورة – الطبعة الأولى سنة 1414 هــ – 1995 م.

  2. قال سيدهم قطب أقنوم التكفير في العصر الحديث عند تفسير قوله تعالى ﴿ وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ﴾ بعد أن قرر دخول مسلمي العصر في إطار المجتمع الجاهلي: «وهنا يرشدنا إلى اعتزال معابد الجاهلية –مساجد المسلمين– واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي‏» ‏«الظلال‏‏» (3/1816) دار الشروق.

    وقال أيضاً‏: ‏«إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيديًا وشعوريًا ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها، حتى يأذن الله لها بقيام دار إسلام تعتصم بها، وإلا أن نشعر شعورًا كاملًا بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية، وأهل جاهلية‏» ‏«الظلال‏‏» (4/2122).