الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   اليد الآثمة

(أضيف بتاريخ: 2021/10/29)

بيانات الكتاب

اليد الآثمة

اليد الآثمة

وصف مختصر:

أمٌّ تسبق دموعُها كلماتِها، تشتكي جنايةَ ولدها عليها، وضربه لها.

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

12/10/1430هـ 1/10/2009م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 596 KB )

قراءة

( 7 صفحة )
اليد الآثمة
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

اليد الآثمة

بعد البسملة والحمدلة والحوقلة.. أقول:

غفر الله لك مُخبري1! لا زلت تأتيني بالأخبار العظام! داعية السقام بطيئة الالتئام.

قد كنت في غنىٰ عن كلِمها، وعافية من كلمها، وسلم من عملها في الفؤاد، من تأثيرها في النتاج والرقاد.

ألم يكن في الغفلة: للصدر صفاء، وللنفس نقاء، وللجارحة وجاء؟!

ألم نفترش حسن ظن، ونلتحف العافية؟!

ألم نغدو في صيانة ونروح في سلامة، وفي تروحيتنا نفرح في سكينة ونمرح في طمأنينة، نعمنا فيها بسمع وقلب سالم غانم، في الخير خالد، محمد محمود؟.

ألم..

وفجأة.. ترتجف أركاني، ويضطرب بنياني ليأذن عن مخابرة تجلجل، تخلخل الأفكار، تقبض اليد عن تناولها وتبسط، ثم يقرع داع الاحتساب، تعقبه نصوص بل فصوص الصبر تزف البشرىٰ، فتقوىٰ الهمة، وكانت –قدرًا- معها الغمة!

أجل.. كانت في الإجابة فجيعة! جلبت الإجابة وجيعة.

أمٌّ تسبق دموعُها كلماتِها، تشتكي وجوارحها تنزف جنايةَ ولدها عليها، وتطاول بنانه بعد لسانه!!! بل زاد فجره فكان حجره السفيه عليها!!! وحبسها عليه!!!

وهي الشديدة الرشيدة، المصونة الحصونة، في واحدة من مصائب الإصابات، وأسوأ ما سمعت من السوءات، فيها -كما هو ظاهر- إحياء لجائر جاهلية غابرة نسختها شريعة ربانية غامرة.

هذا الإجمال، وإليكموا التفصيل، مع النصح والتدليل، أستهله:

إن آلامًا تئنُّ لها خبايا البيوت، وتصدّع منها جدران القلوب، تتيه بين سراديبها نسمة بسمة، وتغيب في طباقات ظلماتها عابر عبرة، وتقبر في أكفانها ذكر ذكرىٰ.

إن صرخات الدموع، وبكاء الألسن، وتفطّر أكباد الحروف، ونَزف قلوب الكلمات: خليط أفرزته الهموم وأمشاج الغموم المتصارعة في نفس أمٍّ قتلها المصاب وأصابها قصدًا أعزب الأحباب بسهام عقوق، عُقلت معها عقول الحقوق!

أمٌّ.. دهش تعجبها وعجب دهشها، من نهش ولدها لها، وتمزيقه أحشاء حبها، ومصادرته برّ تصوّر قبل وروده بورده، ليخلف حسرة؛ حشرج لها صدر كان حانيًا، وحرم معه حِجرًا كان حاميًا، ليورث أضغان الحسرات، ويحبس أنفاس الدعوات، ويلجئ إلىٰ إدمان ندم متنام، أشبه بحال اليتيمات.

أمٌّ.. تشتكي أعضاؤها، وتتوجع أركانها، تشهد بالجريمة مشاعرها، وتنطق بالجناية جوانحها، تحدثك شواهدها في ذهول عن ضعف إيمان، عن جهلٍ بإسلام، عن ذبول أخلاق وسفول أعراق، عن تنكرٍ لأعراف وإنكار لمعروف، شكوىٰ تقطعها الآهات، وتختلجها الأنات، وتزاحمها الشهقات، وفي تضاعيفها صيحة حبيسة، تقبرها نجوىٰ ربّ الأرض والسموات.

أمٌ.. تبكي ألماً، وتصرخ كمدًا، فبعد أفول ضجر ضجيع، عشق الضجيج، رامت بذهاب ليله انفراج الضيق، في فلذة كبد رقيق، زهدت له في رفقة رفيق، ونعمت برعايته ليكون الرفيق الرفيق! تفرح عنده وتمرح، وتطرح معه ركام زمان وتبرح الضيق، ضياء ينير لها فيما بقىٰ من عمر فرحها الطريق.

إنها أمٌ.. كسر ما بقي من عود عمرها: العقوق! وهدّ عالىٰ أمانيها بطش أيدي ولدها ذات العقوق نكرة الحقوق.

تستغيث! وما أكثر المغيث وأسرع المجيب، بيد أنه سرعان سعيه يخيب، في أمر يكاد عقله من هوله يغيب.

إنها اليد الآثمة، والتي كان حقها أن تكون حانية حامية بل حامدة، هي الجانية هي المجرمة.

أجل..

اليد الحانية هي الجانية.

اليد الأمينة هي الخائنة.

اليد الحامدة هي الجاحدة.

اليد المُحبة هي المحاربة.

ألا.. قطعت تلك الأيدي الآبقة.

تبًا تبا.. لنفس عاقة، للحقوق شاقة.

سبحان الله! أهكذا الجزاء؟! أبذا الوفاء؟!

أمٌ.. ربّت، وربت معها رؤىٰ سعيها، تترنح طربًا حال تصور رتعها في ربوع برّ ولدها وحنو أحفادها، تتشوف وتتشوق لجني حصاد جهدها، وتذوِّق ثمار صبرها، ولذة عفافها، وبركة احتسابها، تنمو آمالها بنمو أيامها، فيكبر بكبرها رجاؤها.

إذ تلوثها بل – وبكل أسف وأسىٰ- تصفعها أيدي آثمة بفعلة شائنة شانئة، لتحدث نفسها بنفسها في هلع وذهول، وولع وذبول:

ولدي! كيف تجاسرت؟!!!

كيف طابت نفسك؟!!!

أيا مسلمون! أمثل هذا يكون؟!!!

ولدي! أما تذكر تداخل الأنفاس، وتناكح الشفاه، وتعانق البسمات والمداعبات، وتتابع التعب واستعذابه والتبعات؟

ولدي! أما عايشت كيف مرت سُنون بحلوِها وجرحها، فكان الوفاء في هذا الشقاء!! وحفظ الحقوق بهذا العقوق؟!.

ولدي!.. وهنا تستجلب الشكوىٰ قصة رمزية كسلوىٰ، تقول:

أغرىٰ امرؤ يوما غلاما جاهلًا
بنقوده كي ما ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتىٰ
ولك الجواهر والدراهم والدرر
فمضىٰ فأغمد خنجرًا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد علىٰ الأثر
لكنه من فرط سرعته هوىٰ
فتدحرج القلب المضرج إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفّر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
فكأنَّ هذا الصوت رغم حنوه
غضب السماء به علىٰ الولد انهمر
فارتد نحو القلب يغسله بما
لم يأتها أحد سواه من البشر
واستل خنجره ليطعن نفسه
طعنا فيبقىٰ عبرة لمن اعتبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا
تغفر فجريمتي لا تغتفر
ناداه قلب الأم كفّ يدا ولا
تذبح فؤادي مرتين علىٰ الأثر2

وساعتئذ يسكتها سكون، تسلي نفسها بحق القضاء، وما كتبه الله تعالىٰ علىٰ العباد من البلاء، فيسري في جسدها برد القبول، وتتضلع جوارحها ريّ الرضا بالمقدور، تصبو معه نفسها إلىٰ الجنان، وما أُعدّ لصالحي الذكران والنسوان، فيقلع القلب عن عنائه، ويخلُص من عالقه وعائقه، ويتعلق بخالقه، فيصير بذا في فرح وحبور، وينعم بسكينة وسرور، فتقوىٰ بذا الأركان، وتهابه الإنس والجان.

وعليه.. أقول:

أما فقهت تلك الأيدي الآثمة: أن الله تعالىٰ قرن البرّ كحق بأعظم حق -وهو توحيده سبحانه- وذلك قوله تعالىٰ‏: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏ ﴾ الآية [الإسراء:23].

أما عقلت تلك الأيدي الآثمة: أمر رسول الله -صلىٰ الله عليه وإخوانه وآله وسلم‏-: ‏«الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ» الحديث3.

وإخباره الآمر في قوله‏: «الوالدُ أَوْسَطُ أبوابِ الجنةِ‏» الحديث4.

أما علمت تلك الأيدي الآثمة: الآثار السلفية والأخبار التقية النقية عن برّ البررة، عن حالهم ومآلهم. واعتبرت بخبر الفجرة، وحياتهم ومآلهم.

أما أيقنت تلك الأيدي الآثمة: بيوم الحساب‏ ﴿ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ‏ ﴾ [هود:103]، للسؤال عن الصغيرة قبل الكبيرة، في موقف لا تخفىٰ فيه خافية، تبلىٰ ما في السرائر، ويكشف عما في الضمائر، ويؤاخذ ويؤخذ المرء بما قدم! في هالة من الهيبة غاشية، وحالة من الفزع طاغية.

فيا له من يوم!!! يا له من موقف!!!

ساعتئذ نرىٰ مكانة تلك الأيدي الآثمة ونشهد منزلتها، ونسمع منها أخبارها، ولتعلمن نبأه بعد حين.

وفي الأخير:

صيحة نذير لتلك الأيدي بالكفّ، مع انخلاع وانقشاع، وسكب دموع بل دماء توبة؛ في ندم مردوف بإصلاح مصحوب ببرٍّ بغية الفلاح قبل الندم يوم الصياح، ندم لا ينفع معه ندم ولا نديم، إنما هو الانكباب بل الهوي في قعر الهاوية ذات النار الحامية.

‏‏﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا‏ ﴾ [الفرقان:74].

اللهم.. ارزقنا برّ آبائنا وصلاح أبنائنا، وتقبلنا في الصالحين، واحشرنا في زمرة النبيين.. آمين.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ إخوانه وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين

كتبه
راجي رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
في: 12/10/1430هـ – 1/10/2009م
  1. هاتفي ونفر من مجالسي، وليت الأول عقل نهي للثاني.
  2. هي كما أسلفت قصة رمزية، غير أنه لا يمنعن من إنكار قول‏ «غضب السماء‏» وإن كان القصد: رب السماء. وكذلك قول‏ «جريمتي لا تغتفر‏»: فهي وإن كانت عظيمة غير أنها تُغفر، والذي لا يغفر الموتُ على الشرك. وكذلك قول‏ «ليطعن نفسه‏»: منسوخ، وشريعتنا على تحريمه وتجريم فاعله. وكذلك‏ «أغرى امرئ غلامًا‏»: فإن كان صغيراً فحكمُه آلة! والقَصاص من المحرّض، وإن تعدد. وكذلك قوله‏ «انتقم مني‏»: والأصل الاستغفار والستر، وإن صعد فللأولياء العفو على سبيل الفضل.
  3. صححه العلامة الألباني $ في «صحيح ابن ماجة» برقم (2259).
  4. صححه العلامة الألباني $ في «صحيح الجامع» برقم (7145).