الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   رفع الجدل بإبطال دعوىٰ منكري الجدل

(أضيف بتاريخ: 2021/10/29)

بيانات الكتاب

رفع الجدل بإبطال دعوىٰ منكري الجدل

رفع الجدل بإبطال دعوىٰ منكري الجدل

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 735 KB )

قراءة

( 10 صفحة )
رفع الجدل بإبطال دعوى منكري الجدل
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

رفع الجدل بإبطال دعوىٰ منكري الجدل

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد……….. كان الله تعالىٰ له.

إلىٰ: أخيه خطيب الجمعة ……………… عمم الله به النفع، آمين.

سلام عليكم، أما بعد:

مما تُلي ويُتلىٰ علىٰ الناس علىٰ أعواد المنابر وكثر: القول بذم الجدل في الدين -هكذا بإطلاق-؛ لما يعقبه من كدر.

وهذه الدعوىٰ -غالباً، بحسب تتبعي لها- مصحوبة من قائلها بنشوة العظمة الكاذبة، وطغيان الوجاهة الزائفة، الصادرة عن كبر مع جهل، مرجعها لعدم الوقوف علىٰ حقيقة العلم، وقدر النفس.

فيشعرك متعاطيها بأنه هو الخطيب المصقع، وأنه هو العلامة الفهامة المرقع، وإنه المرجعية العلمية التي يجب أن يرجع إليها؛ وذلك لكونه من ذوي الجبة والعمامة الحمراء -التي تنذر بخطر الاقتراب-، أو أنه صاحب الدُّربة والخبرة الواسعة، فارس الميدان، وإمام أهل الزمان بل الأزمان، الخبير بواقع الأنام.

وكم تنتابني الحسرات، ويغلبني الأسىٰ، وهم يتكلمون بكلام الحبيبيق
-الأحمق– الذي ما درىٰ فقهاً، ولا رُزق فهمًا -إلا من رحم-.

وعجيب هو حال الناس بعد خطبته تلك -العرجاء الشوهاء والتي شرق فيها وغرب وجمع فيها بين متفرقات، خطبة خداج بتراء، بلا منهجية علمية، ولا هدف تربوي- يقومون عنها ولا منكر؛ إذ الخطيب الملهم قد حذر من الجدل، وإذا أنكرتَ تبسم لك تبسم الليث، وعزا إلىٰ درره التي ألقاها حينما كان ممتطيًا المنبر.

لا، بل يجد من بعض النيام مددًا! وهكذا يضيع الحق بين كبر الجاهل، وغفلة السامع، ويذهب خير اللقاء الإيماني الأسبوعي الجامع.

لأجل ذلك انتخبت هذه الأحرف؛ مذكرًا السادة الخطباء، بضرورة الخوف من الله تعالىٰ أولاً.

ثم بأن يتقوا الله ويحترموا عقول المخاطبين؛ فيُحضّروا لذلك المشهد العظيم والمحفل الجليل تحضيراَ يسعدون به يوم الدين.

ويستشعروا قيمة الأمانة العلمية المنوطة بهم.

ويتزودوا -بل يتضلعوا- بالعلم تزودًا.

وفي هذا المقام نتحدث عن الجدل والجدال بحسب الإمكان، وفي حينه نتكلم عن الخطبة العلمية المرجوة وضوابطها، والله الموفق، فأقول:

‏‏«في اللغة العربية ثلاث كلمات دائرة في الاشتراك عند البحث في أمر من الأمور:

– المناظرة.

– الجدل أو الجدال.

– الحج والمحاجة أو الحجاج.

والمناظرة1 لم ترد في القرآن الكريم.

أما الجدل والحجاج: فإنهما يردان في القرآن الكريم كثيرًا2.

المجادلة بالحق من سنن الأنبياء
وورثتهم تبعًا لهم، إذ هم أحق بها وأهلها، عند الضرورة الملجئة

«المجادلة بالحق من سنن الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- مع الأمم عند الدعوة، والجدالُ بالحق لإقامة الحجة علىٰ أهل الإلحاد والبدع من الجهاد في سبيل الله، كما رُوي عن النبي أنه قال:‏ «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم‏» أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قلت: ووافقهما الألباني كما في صحيح الجامع (1/593) برقم (3090).

وإنما يكون الجهاد باللسان بتبيين الحق بالحجة والبرهان، لا بالشغب والهذيان والسب والشتم.

والقرآن أبلغ في حججه وبراهينه3، ولهذا أُمر الرسول أن يجاهد الكفار بالقرآن4؛ كما قال الله تعالىٰ‏: ﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان:52].

والجدال بالحق من النصيحة في الدين: وفي قصة نوح ڠ قولهم له‏: ﴿ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا‏ ﴾[هود:32]،

فكان جوابه لهم قوله: ﴿… وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾[هود:34].

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالىٰ- في قصة وفد نصارىٰ نجران، وما اشتملت عليه من فوائد ما نصه:

«ومنها: جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك، بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام ما يرجي إسلامه منهم، وإقامة الحجة عليه‏» ‏«زاد المعاد‏‏» (3/42)

وقال الشوكاني -رحمه الله تعالىٰ- عند تفسير قوله‏: ﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [غافر:4]:

«أي: ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها، إلا الذين كفروا…

فأما الجدال؛ لاستيضاح الحق، ورفع اللبس، وتمييز الراجح من المرجوح، ودفع ما يتعلق به المبطلون، فهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون‏» ‏«فتح القدير» للشوكاني(3/42)، والنقل عن «الموسوعة الفقهية الكويتية‏‏» (15/ 128).

نوعا الجدال

وعليه نقول: إن الجدال نوعان: مذموم، ومحمود.

والله -سبحانه وتعالىٰ- قد أوجب الجدال المحمود، ودلّ علىٰ جميع آدابه: من الرفق، والبيان، والتزام الحق، والرجوع إلىٰ ما أوجبته الحجة القاطعة، وسيأتي.

فالجدال المحمود الواجب: هو الذي يجادل متوليه في إظهار الحق.

والمذموم وجهان بنص القرآن:

فأحد الوجهين المذمومين من الجدل: جدال من جادل بغير علم.

والثاني: من جادل ناصرًا للباطل بشغب وتمويه بعد ظهور الحق له.

أدب الجدال

منذ زمن قديم قيل في هذا الباب‏ «مناظرك نظيرك‏» أي: مثيلك، وللمناظرة أصول وقواعد وآداب يجب أن تُتبع، منها:

أولاً: يجب أن يُعلم أن الجدال جائز، وفي القرآن الكريم سورة اسمها «المجادلة‏»، وكونه أمر دينيٌّ؛ فيفتقر كباقي العبادات لنية صالحة.

ثانياً: المتناظران -المتجادلان- يجب أن يكونا عارفين بالموضوع الذي يجري فيه جداله، قال تعالىٰ‏: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴾ [الحج:8].

ثالثاً: لا يجوز الجدال بالألفاظ‏ (التلاعب بالمدارك وتسميتها بألفاظ متشابهة؛ تضلل الخصم عن وجه الحق)، قال تعالىٰ‏: ﴿ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ‏ ﴾ [الأعراف‏:70-71].

رابعاً: الجدل يجب أن يكون بالحسنىٰ؛ قال تعالىٰ:‏ ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ‏‏[العنكبوت:45-46].

وقوله: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل:125].

خامساً: ولا يجوز الجدال حبًا بالجدال أو إصرارًا علىٰ الخطأ؛ قال تعالىٰ:
﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ‏﴾ [الكهف:55-56].

وقال تعالىٰ‏: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ‏ ﴾ [الأنفال:5-6].

سادسًا: ولا جدال فيما أنزل الله؛ قال تعالىٰ: ﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ﴾ [غافر:4].

وقال تعالىٰ‏: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر:55-56].

سابعاً: أن يكون الاثنان طالبي حقيقة ومريدي بيان، والذي يكون منهما علىٰ يقين من أمره ببرهان قاطع، يريد أن يوصل إلىٰ مناظره من الحقيقة مثل ما عنده، ثم يحاول أن يحلّ شك هذا الغالط المخالف له، أو المغالط… فتلك مناظرة فاضلة، حميدة العاقبة يوشك أن تنحل عن خير مضمون أو خير آخر موفور.

وهي التي أمر الله تعالىٰ بها إذ يقول: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل:125]. وإذ يقول تعالىٰ: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة:111].

ثامناً: وأما إذا كانت المتناظران معًا غالطين، أو مغالطين، أو كان أحدهم جاهلًا طالبًا للحق، والثاني غالطًا أو مغالطاً، فتلك مناظرة يكثر فيها الشغب، ويعظم النصب، ويكثر الصخب، ويشتد الغضب ويوشك أن تشتد مضرتها. وأما منفعتها: فلا منفعة…

والطريقة في ذلك: تخيير الخصم أن يكون سائلًا أو مسؤولاً، فأيهما تخيّر: أجبناه… فإن ردّ الخيار إلينا، اخترنا أن يكون هو السائل؛ لأن هذا العمل هو أكثر قصد الضعفاء، وعمدة مرغوبهم، وهم يضعفون إذا سئلوا، فنختار حينئذ حسم أعذارهم، وتوفيتهم أقصي مطالبهم، التي يظنون أنهم فيها أقوىٰ، ويكون ذلك أقوىٰ في قطع معالقهم…

ومما تقدم نرىٰ أن الله تعالىٰ قد حضّ علىٰ المجادلة بالحق، وأمر بطلب البرهان.

وقد صحّ أن طلب الحجة هي سبيل الله عز وجل وصحّ بالنصّ أن من نهى عن ذلك، وصدّ عنه، فهو صاد عن سبيل الله تعالىٰ…

وبالجملة فلا أضعف مما يرون إبطال الجدال بالجدال…» انظر «المناظرات‏» محمد سعيد كمال ص(13/18) بتصرف.

وأخيراً: هذا نداء لكل مسلم تقع عينيه علىٰ هذا الخطاب أو تسمعه أذنه، اتقوا الله فإن الأمر دين، انصتوا للخطبة، وتعلموا ما فيها من خير، واعملوا به، وعلموه ذويكم وزراريكم.

وإن وجد خطأ، أو إبهام، أو إيهام، أو نسيان، أو كان هناك استفسار: فلا تردد في الذهاب إلىٰ الخطيب، بوقار وتوقير، وافصح له عن فهمك، وأعرب له عن قولك.

فإن كان صواباً، وجب عليه قبوله، فإن أبي، فانكر أنت عليه، وطالبه بالدليل أو التعليل، فإن تمادىٰ، مع وضوح الحق وظهوره، يرفع الأمر إلىٰ ولاة أمر المسجد؛ للبت فيه ومن ثم البث.

وإن كانت الأخرىٰ: ظهر لك وجه الحق أبلجا، وثبت عقد يقينك عليه.

إن عجزتم جمعيًا عن معرفته والوقوف علىٰ حقيقته، فها قد فتح لكم باب من أبواب الخير -أعني: المباحثة أو سؤال أهل العلم- عملًا بقوله تعالىٰ‏: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏ ﴾[النحل:43]، وهذا سؤال –والحالة هذه- عبادة؛ لما تقدم.

وبذا يظهر الحق، ويعم الخير، وتفتح لنا أبواب البركات وتصبّ علينا الخيرات، وتنزل الرحمات؛ لتغمر جميع النسمات المؤمنة.

الله تعالىٰ المسؤول لك وأزواجك البهاليل أن يوفقوا –علمًا وعملًا ودعوة وصبرًا- للخير الذي كان عليه النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- وصحبه -الكرام- والتابعون -لهم بإحسان- وأن يجزل لكم المثوبة ويضاعف لكم الأجور، يا حسنة أيامنا، وزينة دنيانا، ونجوم سمائنا.. لله دركم.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 11/11/1424هـ الموافق: 4/1/2004م
  1. والمقصود: لفظ المناظرة. وأما حقيقتها، فكثيرة فيه.
  2. والمناظرة في «تاج العروس‏» (14/354)‏: «أن تناظر أخاك في أمر إذا نظرتما فيه معًا كيف تأتيانه، وهو مجاز، والمناظرة والمباحثة والمباراة في النظر. أما النظر هنا فهو: الفكر في الشيء تقدره وتقيسه؛ لأن كل قياس نظر، وليس كل نظر قياسًا‏».
    والحَجُّ: هو الغلبة، فالحُجة -بضم الحاء- يقال: حج يحُجه -بضم الحاء- إذا غلبه على حجته. وأنا أحج خصمي: أغلبه بالحجة. والحجة: مصدر يعني: الاحتجاج، أي الاستدلال.
    أما الجدل: فهو اللدد في الخصومة، والقدرة عليها. ‏«القاموس المحيط‏» (3/347-246).
    وأما اللدد: فهو الخصومة الشديدة مع الميل عن الحق‏» ‏«المعجم الوسيط‏» (827).
    ومن الألفاظ ذات الصلة:
    المناقشة: وهي مراجعة الكلام بقصد الوصول إلى الحق غالبًا‏» ‏‏«لسان العرب‏»
    المراء: المراء والمماراة: الجدال، يقال مريته إذا طعنت في قوله؛ تزيفا للقول، وتصغيرًا للقائل. قال القيومي: ولا يكون المراء إلا اعتراضاً، بخلاف الجدال: فإنه يكون ابتداء واعتراضًا‏» ‏«المصباح المنير‏» و«دليل الفالحين‏‏»(3/80) نقلًا عن«الموسوعة الفقهية الكويتية‏» (15/126).
  3. قلت: وكذا السنة؛ إذ القرآن والسنة صنوان، وكلاهما وحي معصوم.
  4. قلت: ما اجتمعت القلوب عليه، وإلا فالسنة مفسرة ومفصلة وقاضية.