الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   الكلم القيم في تعظيم الرب من كلام العلامة ابن القيم

(أضيف بتاريخ: 2021/10/26)

بيانات الكتاب

الكلم القيم في تعظيم الرب من كلام العلامة ابن القيم

الكلم القيم في تعظيم الرب من كلام العلامة ابن القيم

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 553 KB )

قراءة

( 6 صفحة )
الكلم القيم في تعظيم الرب من كلام العلامة ابن القيم
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

الكلم القيم
في تعظيم الرب من كلام العلامة ابن القيم

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام علىٰ رسول الله وإخوانه وآله والتابع لهم بإحسان.

وبعد:

إليك أخي كلام العلامة شمس الدين ابن القيم -رحمه الله تعالىٰ- ليكون لك إمامًا، موجبًا وجلًا وإتمامًا، بإسلوب يأخذ بالألباب، يدهش الأعلام، ويفهمه العوام، مقتبس من القرآن وكلام سيد الأنام، باستيعاب واستقراء كاد يبلغ التمام، علىٰ وجه الإجمال والبيان، لا في كل الأبواب، إنما في بيان طرف من قدر الله تعالىٰ وقدره وقدرته -سبحانه وتعالىٰ- المنعم المنان، فقال -رحمه الله تعالىٰ-:

‏‏«في المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ‏: « أن الله تعالىٰ خلق خلقه في ظلمة، وألقىٰ عليهم من نوره، فمن أصاب من ذلك النور اهتدىٰ، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول جفّ القلم علىٰ علم الله تعالىٰ‏» وهذا الحديث العظيم أصل من أصول الإيمان، وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته، والله تعالىٰ الموفق.

وهذا النور الذي ألقاه عليهم سبحانه وتعالىٰ هو الذي أحياهم وهداهم؛ فأصابت الفطرة منه حظها، ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله، أكمله لهم وأتمه بالروح الذي ألقاه علىٰ رسله -عليهم الصلاة والسلام- والنور الذي أوحاه إليهم، فأدركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور، فانضاف نور الوحي والنبوة إلىٰ نور الفطرة، نور علىٰ نور، فأشرقت منه القلوب، واستنارت به الوجوه، وحييت به الأرواح، وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعًا واختياراً، فازدادت به القلوب حياة إلىٰ حياتها.

ثم دلّها ذلك النور إلىٰ نور آخر، هو أعظم منها وأجلّ، وهو نور الصفات العليا، الذي يضمحل فيه كل نور سواه، فشاهدته ببصائر الإيمان مشاهدة نسبتها إلىٰ القلب نسبة المرئيات إلىٰ العين.

ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الإيمان لها، حتىٰ كأنها تنظر إلىٰ عرش الرحمن -تبارك وتعالىٰ- بارزًا وإلىٰ استوائه عليه، كما أخبر به -سبحانه وتعالىٰ- في كتابه، وكما أخبر به عنه رسوله .

يدبر أمر الممالك، ويأمر وينهىٰ، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقضي وينفذ، ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرىٰ.

والرسل من الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- بين صاعد إليه بالأمر، ونازل من عنده به.

وأوامره ومراسميه متعاقبة علىٰ تعاقب الآيات، نافذة بحسب إرادته، فما شاء كان كما شاء، في الوقت الذي يشاء، علىٰ الوجه الذي يشاء، من غير زيادة أو نقصان، ولا تقدم ولا تأخر.

وأمره وسلطانه نافذ في السموات وأقطارها، وفي الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو، وفي سائر أجزاء العالم وذرّاته، يقلبها ويصرفها ويحدث فيها ما يشاء.

وقد أحاط بكل شيء عِلمًا، وأحصىٰ كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات، فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها علىٰ كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات.

وأحاط بصره بجميع المرئيات، فيرىٰ دبيب النملة السوداء علىٰ الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية.

يعلم السر وأخفىٰ من السر، فالسر ما انطوىٰ عليه ضمير العبد، وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه، وأخفىٰ منه ما لم يخطر بعد، فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا.

له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن.

له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله.

شملت قدرته كل شيء، ووسعت رحمته كل شيء، وسعت نعمته إلىٰ كل حي: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن:29].

يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيرًا، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالًا ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلىٰ، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلومًا، ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن من روعة، ويرفع أقوامًا ويضع آخرين.

لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل.

حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهىٰ إليه بصره من خلقه.

يمينه ملأىٰ لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق، فإنه لم يغض ما في يمينه.

قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزِمَّة الأمور معقودة بقضائه وقدره، الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، يقبض سماواته كلها بيده الكريمة، والأرض باليد الأخرىٰ، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك، أنا الملك، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكن شيئاً، وأنا الذي أعيدها كما بدأتها.

لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة يسألها أن يعطيها، لو أن أهل سماواته وأهل أرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا علىٰ أتقىٰ قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويبسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطىٰ كلا منهم ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة.

ولو أن أشجار الأرض كلها -من حين وجدت إلىٰ أن تنقضي الدنيا- أقلام والبحر -ورائه سبعة أبحر تمده من بعده- مداد، فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد، لفنيت الأقلام ولم تنفد كلمات الخالق -تبارك وتعالىٰ-.

وكيف تفنىٰ كلماته -عزّ وجلّ- وهي لا بداية لها ولا نهاية، والمخلوق له بداية ونهاية، فهو أحق بالفناء والنفاد، وكيف يُفني المخلوق غير المخلوق؟

هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء -تبارك وتعالىٰ-.

أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأولىٰ من شكر، وأنصر من ابتُغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأعفىٰ من قدر، وأكرم من قُصد، وأعدل من انتقم.

حلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، وموالاته عن إحسانه ورحمته.

ما للعباد عليه حق لازم
كلا ولا سعي لديـه ضائع
إن عذبوا فبعدله، أو نعموا
فبفضله، وهو الكريم الواسع

وهو الملك لا شريك له، والفرد فلا ند له، والغني فلا ظهير له، والصمد فلا ولد له ولا صاحبة، والعلي فلا شبيه له ولا سمي له.

كل شيء هالك إلا وجهه، وكل مُلك زائل إلا ملكه، وكلُّ ظل قالص إلا ظله، وكل فضل منقطع إلا فضله.

لن يطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يعصىٰ إلا بعلمه وحكمته، يطاع فيشكر، ويعصىٰ فيتجاوز ويغفر.

كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل.

أقرب شهيد، وأدنىٰ حفيظ.

حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال.

فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب عنده شهادة.

عطاؤه كلام، وعذابه كلام ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [يس‏:82].

فإذا أشرقت علىٰ القلب أنوار هذه الصفات، اضمحل عندها كل نور، ووراء ذلك ما لا يخطر بالبال ولا تناله عبارة‏» ‏«الوابل الصيب من الكلم الطيب‏» للإمام شمس الدين ابن القيم ص(87-91) ت: محمد عبد الرحمن عوض-دار الريان للتراث الطبعة الأولىٰ 1408هـ .

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الراجي فضل ربه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في 20/2/1426هـ 30/3/2005م