الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التحذير من الصوفية نصح الموافق والمخالف   »   السعادة والسرور في التنفير من عبادة القبور

(أضيف بتاريخ: 2021/10/20)

بيانات الكتاب

السعادة والسرور في التنفير من عبادة القبور

السعادة والسرور في التنفير من عبادة القبور

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

10/11/1424هـ الموافق: 3/1/2004م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 666 KB )

قراءة

( 7 صفحة )
السعادة والسرور في التنفير من عبادة القبور
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

السعادة والسرور في التنفير من عبادة القبور

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد……. كان الله تعالىٰ له.

إلىٰ: أخيه…………………………. وفقه الله تعالىٰ ونفع به.

سلام عليكم، أما بعد:

يخطئ كثير من الناس عندما يظنون أن العبادة هي القيام والصيام فحسب، بل العبادة في لسان الشرع أعم من ذلك، فهي تشمل «كل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة‏» كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالىٰ- «مع تمام الحب وتمام الذل‏» كما قال تلميذه العلم الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالىٰ-.

ويظن ظانٌّ أنه عابد موحد ما قام بصلاة وصيام وحج وزكاة وكفىٰ، وما درىٰ أن هناك إرادات قلبية قد تؤثر في توحيده، وتخدش إخلاصه -هذا بالنسبة للعبادات، أما بالنظر إلىٰ المعبودات- كما أن هناك آلهة أخرىٰ -حوله بل وبين جنباته- تُعبد بالباطل!

ألم تر كيف جعل الله طاعة الهوىٰ إلهية من دونه، وذلك كما في قوله تعالىٰ: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية:23]، وهل أتاك حديث عبد الدينار، «تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس…‏» الحديث. أخرجه البخاري (2887) باختلاف يسير.

إن الناظر في عبادة المشركين في القديم لآلهتهم، وحال جهلة المسلمين اليوم‏ (القبوريين‏) أمام أوثانهم (الأضرحة) قد لا يجد فرقًا بين فعالهم وفعالهم!

بل فاق -بسبب الجهل- شركُ أهل زماننا شركَ ذاك الزمان -كما قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالىٰ-.

ولما كان ذلك كذلك، كان هذا التنبيه لإخواننا المسلمين الطّيِّبين حتىٰ يُقلعوا عن هذا الشرك العظيم والضلال المبين، وليعلموا خطورة ما هم عليه، وليُعجلوا بالتوبة منه، ويُخلصوا العبادة لله تعالىٰ، ولا يشركوا، إذ الشرك أظلم الظلم، وأبطل الباطل، وأقبح القبائح، وليعلموا أنه ما عُصيَ الله تعالىٰ بذنب هو أعظم منه.

ومن أجل هذا قام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالىٰ- ناصحًا ومحذرًا من مغبته، وداعيًا ومذكرًا إلىٰ ضرورة إفراد الله تعالىٰ بالتوحيد، فألّف مؤلفه العظيم «كتاب لتوحيد‏» مجليًا حقيقته، ومبرزًا صوره ومظاهره في العصر الحديث، ومدىٰ ارتباطه بشرك الأولين من لدن نوح -عليه السلام- إلىٰ يومنا، والله المستعاذ والمستعان.

فكان مؤلَّفًا ماتعًا جامعاً، في بابه مانعًا، أجاد فيه وأفاد؛ لذا تُلقي بالقبول من الطلبة – فتدارسوه-، وبالرعايةِ والصيانة من أهل العلم -فدُونت الشروح عليه تلو الشروح-، وخُدم خدمات متعددة -لا أعرف كتابًا في العصر الحديث في بابه خُدم كخدمته- وما ذاك إلا لأهميته من ناحية، وإخلاص صاحبه من ناحية أخرىٰ.

وفي هذا المقام: أنقل طرفًا خطيرًا -أي: رفيع القدر- منه؛ للعلم والحذر، ومن ثم التحذير، فأقول:

قال المصنف – رحمه الله تعالىٰ: «باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وقول الله عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ‏ ﴾ [النساء‏:171].

في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالىٰ: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً‏ ﴾ [نوح‏:23].

قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحىٰ الشيطان إلىٰ قومهم: أن انصبوا إلىٰ مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد، حتىٰ إذا هلك أولئك، ونُسي العلم، عُبدت…‏».

وعن عمر -رضي الله تعالىٰ عنه- أن رسول الله –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال‏: ‏«لا تطروني كما أطرت النصارىٰ ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله‏» أخرجاه.

وقال رسول الله –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم-: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو‏» صححه العلامة ناصر الدين الألباني في‏ «صحيح الجامع‏» برقم (7363).

ثم أعقب هذا الباب بنظيره، فقال: «باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده‏» وساق تحته من الأدلة الدالة عليه فقال:

في «الصحيح‏» عن عائشة -رضي الله تعالىٰ عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- كنيسة، رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: «أولئكِ إذا مات الرجل الصالح (أو العبد الصالح)، بنوا علىٰ قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله‏».

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالىٰ-‏: ‏«فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل».

ولهما -البخاري ومسلم- عنها -السيدة عائشة رضي الله تعالىٰ عنها- قالت‏: ‏«لما نزل برسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- طفق يطرح خميصة له علىٰ وجهه، فإذا اغتم بها، كشفها، فقال وهو كذلك‏: «لعنة الله علىٰ اليهود والنصارىٰ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏» يحذر -أي: أمته – ما صنعوا، ولولا ذلك؛ أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً‏» أخرجاه.

ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول‏: ‏«إني أبرأ إلىٰ الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك‏».

فقد نهىٰ عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن –وهو في السياق- من فعله، والصلاة عندها من ذلك -أي: من اتخاذها مساجد- وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنىٰ قولها‏: ‏«خشي أن يتخذ مسجداً‏» فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً…

ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود -رضي الله تعالىٰ عنه- مرفوعاً‏: ‏«إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد‏» رواه أبو حاتم في صحيحه.

ثم أردفهما بباب‏: ‏«ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله‏» قال -رحمه الله تعالىٰ‏:

روىٰ مالك في «الموطأ» أن رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال‏: ‏«اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله علىٰ قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏».

ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: ﴿‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ﴾ [النجم‏:19]؛ قال: «كان يَلُتُّ لهم السَّويق فمات فعكفوا علىٰ قبره»، وكذلك قال أبو الجوزاء، عن ابن عباس: «كان يلتّ السويق للحاج».

وعن ابن عباس -رضي الله تعالىٰ عنهما – قال: «لعن رسول الله – صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج‏» رواه أهل السنن.

ثم قفَّىٰ هذه الأبواب بباب آخر متممٍ لما قد سلف، فقال – رحمه الله تعالىٰ‏: ‏«باب ما جاء في حماية المصطفىٰ –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- جناب التوحيد، وسدّه كلَّ طريق يوصل إلىٰ الشرك‏.

وقول الله تعالىٰ: ﴿‏ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ﴾ الآية [التوبة:128].

عن أبي هريرة -رضي الله تعالىٰ عنه– قال: قال رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم‏-: ‏«لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم‏» رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات.

وعن علي بن الحسين -رضي الله تعالىٰ عنهما-: أنه رأىٰ رجلًا يجيئُ إلىٰ فرجة كانت عند قبر النبي –صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه.

وقال: «ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال‏: ‏«لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم‏» رواه في المختارة.

وختم هذه الأبواب، بذكر باب فيه بيان‏: ‏«ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان‏. وقول الله تعالىٰ‏: ﴿‏ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 51].

وقوله تعالىٰ‏: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾ [المائدة:60].

وقوله تعالىٰ‏: ﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21].

عن أبي سعيد -رضي الله تعالىٰ عنه- أن رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال‏: ‏«لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتىٰ لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه‏» قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارىٰ؟ قال: «فمن؟» أخرجاه.

ولمسلم عن ثوبان -رضي الله تعالىٰ عنه- أن رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- قال‏: ‏‏«إن الله زوىٰ لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوىٰ أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة وألا أسلط عليهم عدوًا من سوىٰ أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتىٰ يكون بعضهم يهلك بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا‏».

ورواه البرقاني في «صحيحه‏»، وزاد‏: ‏«وإنما أخاف علىٰ أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلىٰ يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتىٰ يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتىٰ تعبد فئة من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي علىٰ الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتىٰ يأتي أمر الله تبارك وتعالىٰ‏» انتهىٰ المقصود.

فانظر – أيها المكرم المفضال:

كيف جاءت التحذيرات -من التعلق بالقبور- تترًا، من نبينا -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وآله وسلم- حال نشاطه، وعند مماته!

وكيف علَّق الشارعُ العقوباتِ الرادعةَ لمن تلطخ به أو وقع في أوحاله، فنهىٰ وشدد، وحذر وكرر، وضرب المثل، وبيّن أنه عبادة الهالكين، وأوصىٰ، بل وأخبر أنه موجب للعن من الله ومن رسوله، وأن أهله هم من شرار الخلق، وأن مرتكبه متعرض لغضب الرب الجبار القهار، فماذا بعد؟!

والله تعالىٰ الهادي

وصلىٰ الله وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين

كتبه
راجي عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 10/11/1424هـ الموافق: 3/1/2004م