الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   دعوة أهل الكتاب واللادينيين   »   النفس الفأرية

(أضيف بتاريخ: 2021/10/27)

بيانات الكتاب

النفس الفأرية

النفس الفأرية

وصف مختصر:

رد عن ملحد لا يؤمن بالله بل بإله

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

15/2/1431هـ - 31/1/2010م

عدد مرات القراءة:
قراءة

كتبٌ في نفس القسم

تحميل

( 604 KB )

قراءة

( 6 صفحة )
النفس الفأرية
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

النفس الفأرية

[ ومنهم من نفسه فأرية؛ فاسقٌ بطبعه، مفسدٌ لما جاوره ]
العلامة شمس الدين ابن القيم $

بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول1:

عجبًا! كيف يُطلب الدليل علىٰ مَن هو دليل علىٰ كل شيء؟! عجبًا! كيف يُعصىٰ الإله؟ أم كيف يجحده الجاحد؟ وفي كل شيء له آية تدل علىٰ أنه الواحد!

أيها المخاطبون! عباد الله.. لم تُخلقوا سدىٰ، ولم تُوجدوا عبثًا، ولم تتركوا هملًا، ولن تفنوا أبدًا، حياتكم حياتكم2.

أحيوها كما هَدَىٰ واهبُها وباريكم، اجعلوها وفق شرع هاديكم، تلمسوا سُبُل الهدىٰ واسلكوها، تتبَّعوا سبل النجاة واتبعوها، بادروا قبل أن تفتقدوها، فرارًا إلىٰ الله تعالىٰ، وسيسألكموها.

واعلموا أنكم منه وبه وإليه3. سبحانه وبحمده، خلق فأبدع، وأنعم فأجزل، وشرع فهدىٰ، وأمات فأحيا، وقضىٰ فعدل4.

وكان من شرعه: أن أمر بتقواه في السرّ كما العلن، والإحسانِ إلىٰ خلقه وإن ظُلم، والصبرِ إن غُلب والعفوِ إن غَلب، والعدلِ في الرضا والغضب، والحلمِ علىٰ من جهل، والستر علىٰ من وقع… في أخلاق داعية إلىٰ وفاق واتفاق، نابذة للفرقة والشقاق.

سبحانه وتعالىٰ، دعا إلىٰ بر، وأمر بخير، ووعد بفضل، وتوعد مع عفو ﴿ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ…‏ ﴾ [ الأنعام: 102].

وعبادته: يُوحّد فلا يشرك، يُعبد فلا يُكفر، يُطاع فلا يُعصىٰ، يُذكر فلا يُنسىٰ، يُشكر فلا يُجحد.

سبحانه سبحانه، نهىٰ عن شرك، وحذّر شَرَكَ الشرّ، لا تضره معصيّةُ عاص، كما لا تنفعه طاعة مطيع.

أخبر تعالىٰ أنه الغني عن خلقه وإليه المفتقر، ومع ذا: تودَّد وتحنَّن، وأسبل من الفضل بقر، وأبىٰ البقر إلا التأله للبقر!

بقر!5 وبَقِل بَقْلٌ علىٰ عبادة عقل، والعقل عاق لهم يعقله من عقل، قاضٍ بعجز، شمله ومن عَبد، وهل عقر عقلٌ عقوقَ معتنقيه أو قلعَ؟

أخبر تعالىٰ أنه الإله الأحد، وأن الشرك غاية جحد ولحد.

وأن المعاصي إذا اجتمعت أسد، افترست القلبَ ففسد.

وأرسل بما سما بأنفُس مسلميه عن إفساده وسدّ.

إسلام استسلم له سالم فسنا6 وسد.

وأبت نفوس فاسدة إلا الصدّ، بَنَت هالاتٍ من سراب سَقْط،

وسَقَتْ سمومًا في نفوس تابعيها صبّ.

فصَبَتْ وفي الأهواء تصابت، وأصابت وما أصابت.

فلهذه النفس الفاسدة المفسدة أقول:

كُفّي هديت، ألم تملي الفرّ، ألم تألمي الكرّ؟! فيك خير كما الشرّ، استخرجيه لتُشرقي، استنطقيه وأرعدي، استحلبيه وأسفري.

حدثينا عن فطرة فيك صارخة، متوجهة لله تعالىٰ -دونما سواه- متألهة، راجية راغبة راهبة.

حدثينا عن حال مرضك، بمن تعلق رجاؤك؟، عن عناء سفرك، لمن توجّه وجلك، واستمطر منه ديم قدرك؟ عن سيرك في سني عمرك عن سيرتك وما ترمقين وترقبين !! عن.. وعن… ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14].

إنه تأله نفس لباريها، جحدته في رخائها، أنكرته من غيّها، تنكره وكلُّ حرف وحركة تشهد عليها بأنها كاذبة.

تناديها: أيا جاحدة! لقد علمتِ أنه تعالىٰ واحد أحد، أبدع وقضىٰ، خلق فهدىٰ، فإلىٰ متىٰ، وحتىٰ متىٰ؟ وهل تنفع أو تدفع (متىٰ) إذا ما الموت أتىٰ؟!

فـ ﴿ …ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].

اسلمي لله تعالىٰ تسلمي، تمسكي بسنة نبيه تسعدي، اسلكي سبيل المؤمنين ترتقي.

شاهت وجوه أهل الشهوات، شانوا مجاوريهم، وشنأهم ذوو الشيم من مخالطيهم؛ فمتىٰ تخنق شوارد الشهوات7، وتلجم حمر الآراء، وتخمد حمم الأهواء؛ لتنعم النفوس وتصفو وتسمو؟ ﴿ وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 3].

اللهم اهدهم.. اللهم اهدهم.. اللهم اهدنا واهدهم.

هذا.. وقد ذكر العلامة شمس الدين ابن القيم -رحمه الله تعالىٰ- أن أهل الشهوات متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم علىٰ أخلاقها وطباعها‏:

«فمنهم: من نفسه كلبيّة: لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، وحماها من سائر الكلاب ونبح كل كلب يدنو منها، همه شبع بطنه من أي طعام اتفق: ميتة أو مذكىٰ، خبيث أو طيب، ولا يستحىٰ من قبيح .

ومنهم: من نفسه حمارية: لم تخلق إلا للكدر والعلف كلما زيد في علفه زيد في كده أبكم الحيوان وأقله بصيرة.

ومنهم: من نفسه سبعيّة غضبيّة: همته العدوان علىٰ الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته.

ومنهم: من نفسه فأرية: فاسق بطبعه، مفسد لما جاروه .

ومنهم: من نفسه علىٰ نفوس ذوات السموم والحمات: كالحيّة والعقرب وغيرهما، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه فيُدخل الرجل القبر والجمل القدر.

ومن الناس: من طبعه طبع خنزير: يمر بالطيبات فلا يلوىٰ عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه.

وهكذا كثير من الناس يسمع منك ويرىٰ من المحاسن أضعاف أضعاف المساوىٰء فلا يحفظها ولا ينقلها ولا تناسبه فإذا رأىٰ سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته ونقله.

ومنهم: من هو علىٰ طبيعة الطاووس ليس له إلا التطوس والتزين بالريش.

ومنهم: من هو علىٰ طبيعة الجمل أحقد الحيوان وأغلظه كبدا.

ومنهم: من هو علىٰ طبيعة الدب أبكم خبيث…»«مدارج السالكين‏‏» (1/403).

سلِّمنا اللهم من مساوئ المعتقدات، ومفاسدِ الأخلاق. خلِّصنا اللهم من الأهواء، ومهالك الآراء، وطرق الإغواء. متِّعنا اللهم بإسلامنا، وأسعدنا بإيماننا، وأمّنّا في أوطاننا. ووطِّنَّا ربَّنا علىٰ فعل الخيرات، وترك المنكرات.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد وعلىٰ إخوانه وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الفقير إلىٰ رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
15/2/1431هـ – 31/1/2010م

  1. ردا عن ملحد لا يؤمن بالله بل بإله، ذكر إيمانًا في مقام الكفر، وكفرًا في موطن إيمانه! ولا بدّ. والغريب -وليس بغريب- أنه وقف جنبًا إلى جنب مع النصراني والجهمي والشيعي والشهواني في حرب الشرع وأهله؛ بأنتن الأسلحة، وأخبث الأساليب، فما كان إلا الخسار والخزي، هداهم الله تعالى.
  2. (حياتكم) في الدنيا (حياتكم) في الآخرة، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
  3. (منه) إيجادًا، (وبه) إمدادًا، (وإليه) ميعادًا.
  4. (خلق فأبدع) خلقه (وأنعم فأجزل) نعمة عامة (وشرع فهدى) نعمة خاصة (وأمات فأحيا) للحساب (وقضى فعدل) الجزاء. والسعيد من فاز، قال الله تعالى‏: ‏﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].
  5. وهذا مثلٌ نضربه لكل من اتخذ إلها من دون الله تعالى حجرًا كان أو شجرًا أو نارًا… إلخ، وما بعده مثلٌ لعابد نفسه: هواه، رأيه، ماله، زوجه، ولده.
  6. السنا: ارتفاع المنزلة والقدر. انظر‏ «النهاية في غريب الحديث والأثر‏» ص(451).
  7. قال العلامة شمس الدين ابن القيم -رحمه الله تعالى-‏: «الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الانسان… فلا بد من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، فلا بد من ترتب آثار هاتين القوتين عليهما ولو لم يخلقا في الإنسان لم يكن إنسانًا بل كان ملكاً، فالترتب من موجبات الانسانية، كما قال النبي ﷺ‏: ‏«كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون‏» ‏«مفتاح دار السعادة‏» (1/297).