الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف الكتب المطبوعة   »   موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين

(أضيف بتاريخ: 2024/09/08)

بيانات الكتاب

موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين
موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين

موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

دار سبيل المؤمنين بحلوان

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

غرة شهر رمضان المبارك لعام 1425هـ

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 1 MB )

قراءة

( 13 صفحة )
موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

موقف السادة السلفيين من آل بيت النبي الأمين

وفيه:
بيان مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث: كتاب الله، وخير الهدي: هدي نبينا محمد صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أقول: إن «عقيدة أهل السنة والجماعة وسط، بين الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، في جميع مسائل الاعتقاد.

ومن ذلك: عقيدتهم في آل بيت الرسول ﷺ، فإنهم يتولون كل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب، وكذلك زوجات النبي ﷺ جميعاً، فيحبون الجميع ويثنون عليهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعسف، ويعرفون الفضل لمن جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب.

فمن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله ﷺ فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه، ولصحبته إياه، ولقرابته منه ﷺ، ومن لم يكن منهم صحابياً، فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه، ولقربه من رسول الله ﷺ.

ويرون أن شرف النسب تابع لشرف الإيمان، ومن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحسنيين، ومن لم يوفق للإيمان؛ فإن شرف النسب لا يفيده شيئاً، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات:13].

وقال ﷺ في آخر حديث طويل رواه الإمام مسلم، عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»1.

وقد قال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في شرح هذا الحديث2: «معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة كما قال تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾ [الأنعام:132]، فمن أبطا به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى لم يسرع به نسبه فيبلغه تلك الدرجات، فإن الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُون ﴾ [المؤمنون:101].

وقد أمر تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال، كما قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ الآيتين [آل عمران:133-134].

وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُون * وَالَّذِينَ هُم بِايَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُون * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون ﴾ [المؤمنون:57-61]».

ثم ذكر نصوصًا في الحث على الأعمال الصالحة، وأن ولاية الرسول ﷺ إنما تنال بالتقوى والعمل الصالح، ثم ختمها بحديث عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ3 فقال: «ويشهد لهذا كله ما في «الصحيحين» عن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إن آل أبى فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين»، يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانًا وعملًا فهو أعظم ولاية له، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن.

وفى هذا المعنى يقول بعضهم:

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب»

علو مكانة أهل البيت عند الصحابة وتابعيهم بإحسان

أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-:

روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «صحيحه»4 أن أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال لعلي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ﷺ أحب إلي أن أصل من قرابتي».

وروى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «صحيحه» أيضًا5 عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا عن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «ارقبوا محمدًا ﷺ في أهل بيته».

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في شرحه: «يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء: المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم ولا تسيؤوا إليهم».

وفي صحيح الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ 6 عن عقبة بن الحارث رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «صلى أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ العصر، ثم خرج يمشي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيه بالنبي، لا شبيه بعلي، وعلي يضحك».

قال الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «شرحه»: «قوله (بأبي): فيه حذف تقديره: أفديه بأبي» وقال أيضاً: «وفي الحديث فضل أبي بكر ومحبته لقرابة النبي ﷺ».

عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما-:

روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «صحيحه» عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقي بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ﷺ فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون»7.

والمراد بتوسل عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ بالعباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: التوسل بدعائه8، كما جاء مبينًا في بعض الروايات، وقد ذكرها الحافظ في شرح الحديث، كتاب «الاستغفار» من «فتح الباري».

واختيار عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ للعباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ للتوسل بدعائه؛ إنما هو لقرابته من رسول الله ﷺ ولهذا قال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ في توسله: «وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا»، ولم يقل: بالعباس.

ومن المعلوم أن عليًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ أفضل من العباس، وهو من قرابة الرسول ﷺ، ولكن العباس أقرب، ولو كان النبي ﷺ يورث عنه المال لكان العباس هو المقدم في ذلك، لقوله ﷺ: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر»9.

وفي «الصحيح»10 من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قول النبي ﷺ لعمر عن عمه العباس: «أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه».

وفي تفسير الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ لآيات الشورى: «قال عمر بن الخطاب للعباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا: «والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله ﷺ من إسلام الخطاب»11.

وفي كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم»12 لشيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ لما وضع ديوان العطاء كتب الناس علي قدر أنسابهم، فبدأ بأقربهم فأقربهم نسبًا إلى رسول الله ﷺ فلما انقضت العرب ذكر العجم، هكذا كان الديوان علي عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من أمية وولد العباس إلى أن تغيّر الأمر بعد ذلك».

وقال أيضا13: «وانظر إلى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ حين وضع الديوان وقالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه، فقال: لا! ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ بأهل بيت رسول الله ﷺ ثم من يليهم حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش».

وتقدم في فضائل أهل البيت من السنة حديث: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»، وأن هذا هو الذي دفع عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ إلى خطبة أم كلثوم بنت علي، وقد ذكر الألباني14 طرق هذا الحديث عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ.

ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين الأربعة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ هم أصهار لرسول الله ﷺ، فأبو بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا حصل لهما زيادة الشرف بزواج النبي ﷺ من بنتيهما: عائشة وحفصة، وعثمان وعلي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا حصل لهما زيادة الشرف بزواجهما من بنات رسول الله ﷺ فتزوج عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ رقية رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهَا ، وبعد موتها تزوج أختها أم كلثوم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهَا، ولهذا يقال له: «ذو النورين»، وتزوج علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ فاطمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهَا.

وفي «سير إعلام النبلاء» للحافظ الذهبي و«تهذيب التهذيب» للحافظ ابن حجر في ترجمة العباس: «كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان، وهما راكبان، نزلًا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله ﷺ».

عمر بن عبد العزيز $:

في «طبقات» ابن سعد15 بإسناده إلى فاطمة بنت علي بن أبي طالب أن عمر بن عبد العزيز قال لها: «يا ابنة علي! والله ما علي ظهر الأرض أهل بيت أحب إلى منكم، ولأنتم أحب إلى من أهل بيتي».

أبو بكر بن أبي شيبة $:

في «تهذيب الكمال» للحافظ جمال الدين للمزي في ترجمة علي بن الحسين، قال أبو بكر بن أبي شيبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «أصح الأسانيد كلها: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي».

شيخ الإسلام ابن تيمية $:

قال ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «العقيدة الواسطية»: «ويحبون -يعني: أهل السنة والجماعة- أهل بيت رسول الله ﷺ، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله ﷺ، حيث قال يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي».

وقال أيضًا للعباس عمه وقد اشتكى إليه بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: «والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي».

وقال: «إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».

ويتولون أزواج رسول الله ﷺ أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه16 في الآخرة، خصوصا خديجة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهَا أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا والتي قال فيها النبي ﷺ: «فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».

ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل».

وقال أيضًا في «الوصية الكبرى»17: «وكذلك آل بيت رسول الله ﷺ، لهم من الحقوق ما يجب رعايتها؛ فإن الله جعل لهم حقًا في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله ﷺ، فقال لنا: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وآل محمد ﷺ: هم الذين حرمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَىٰ، فإن النبي ﷺ قال: «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا للآل محمد»، وقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب:33]، وحرم الله عليهم الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس».

وقال أيضًا18: «وكذلك أهل بيت رسول الله ﷺ تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقهم».

الإمام ابن القيم $:

قال العلامة ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في بيان أسباب قبول التأويل الفاسد: «السبب الثالث: أن يعزو المتأول تأويله إلى جليل القدر، نبيل الذكر من العقلاء، أو من آل بيت النبي ﷺ، أو من حصل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق، ليحليه بذلك في قلوب الجهال، فإنه من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم، حتى أنهم ليقدمون كلامه على كلام الله ورسوله، ويقولون: هو أعلم بالله منا!.

وبهذا الطريق توصل الرافضة والباطنية والاسماعلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حين أضافوها إلى أهل بيت رسول الله ﷺ، لما علموا أن المسلمين متفقون علي محبتهم وتعظيمهم، فانتموا إليهم، وأظهروا من محبتهم وإجلالهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم، ثم نفقوا باطلهم بنسبته إليهم.

فلا إله إلا الله! كم من زندقة وإلحاد وبدعة قد نفقت في الوجود بسبب ذلك، وهم براء منها.

وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل، بلا برهان من الله قادهم إلى ذلك، وهذا ميراث بالتعصب من الذين عارضوا دين الرسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، وهذا شأن كل مقلد لمن يعظمه فيما خالف فيه الحق إلى يوم القيامة»19.

الحافظ ابن كثير $:

قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في تفسيره لآية الشورى، بعد أن بيّن أن الصحيح تفسيرها بأن المراد بـ (القربى): بطون قريش، كما جاء ذلك في تفسير ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا للآية في «صحيح الإمام البخاري»، قال رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «ولا ننكر الوُصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم، وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان سلفهم، كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ».

وبعد أن أورد أثرين عن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ وأثر عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ في توقير أهل البيت وبيان علو مكانتهم قال: «فحال الشيخين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك، ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين، رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين».

الحافظ ابن حجر $:

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ 20 في حديث في إسناده علي بن حسين، عن حسين بن علي عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ قال: «وهذا من أصح الأسانيد ومن أشرف التراجم الواردة فيمن روى عن أبيه عن جده».

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب $:

وأما شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ فله ستة بنين وبنت واحدة، وهم: عبد الله، وعلي، وحسن، وحسين، وإبراهيم، وعبد العزيز، فعبد الله وإبراهيم ابنا النبي ﷺ، والباقون: علي وفاطمة وحسن وحسين: صهره وبنته ﷺ وسبطاه، واختياره تسمية أولاده بأسماء هؤلاء يدل على محبته لأهل بيت النبي ﷺ، وتقديره لهم، وقد تكررت هذه الأسماء في أحفاده.

محدث المدينة الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:

وفي ختام الفصل أقول: لقد رزقني الله بنين وبنات، سميت باسم علي والحسن والحسين وفاطمة وبأسماء سبع من أمهات المؤمنين والمسمي بأسمائهم جمعوا بين كونهم صحابة وقرابة، والحمد لله الذي أنعم علي بمحبة صحابة رسول الله ﷺ وأهل بيته، وأسال الله أن يديم علي هذه النعمة، وأن يحفظ قلبي من الغل علي أحد منهم ولساني من ذكرهم بما لا ينبغي: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾21.

هذا.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب

الراجي عفو ربه

أبو عبد الله

محمد بن عبد الحميد محمد22 حسونة

في غرة شهر رمضان المبارك لعام 1425هـ

  1. رواه مسلم (2699).
  2. في كتابه «جامع العلوم والحكم» ص(308).
  3. في «صحيح الإمام البخاري» (5990) و«صحيح الإمام مسلم» (215).
  4. رواه البخاري (3712).
  5. رواه البخاري (3713).
  6. رواه البخاري (3542).
  7. رواه البخاري (1010) و (3710).
  8. يقول الشيخ محمود شكري الآلوسي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ رادًا على المتصوفة الذين يستدلون بتوسل عمر بالعباس على جواز التوسل بالذوات، مبينًا بأن هذا الحديث دليل على عدم جواز التوسل بالذوات، وأن التوسل المشروع: التوسل بطلب الدعاء من الرجل الصالح إن وجد قال: «بل هوأقوى الأدلة وأرجحها وأعلاها وأوثقها وأصحها وأصدقها لما ندعيه، فإن قول عمر: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا..إلخ» يدل دلالة ظاهرة على انقطاع ذلك الذي هو الدعاء بدليل قوله: «إنا كنا»، ولما كان العباس حيًّا طلبوه منه، فلما مات فات، فقصرهم له على الموجودين ولو كانوا مفضولين دليل ساطع وبرهان لامع على هذا المراد، ولو كان المقصود الذوات كما يقولون لبقيت هذه التوسلات على حالها لم تتغير ولم تتبدل إلى المفضولين بعد الفاضلين، لاسيما الأنبياء والمرسلين، فتأمل في هذا فإنه أحسن ما في الأوراق، حقيق بأن يضرب عليه رواق الاتفاق، والله تعالى يهديك السبيل، فهو نعم المولى ونعم الوكيل» «غاية الأماني في الرد على النبهاني» ص(288)، «مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية…» (1/462 – 463).
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ رادًا على الذين يقولون بجواز التوسل بذات النبي وذات غيره من الأولياء ومؤكدًا أن هذا لم يفعله الصحابه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ ولا التابعون بل هو من البدع المحدثة التي ابتدأها أهل الأهواء: «أما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشهورًا عند الصحابة والتابعين بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حيًّا، كـ: العباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم وقد قال عمر: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا» «مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيء على الأمة الإسلامية» (1/463).
  9. رواه البخاري (6732) ومسلم (1615).
  10. رواه مسلم (983).
  11. وهو عند ابن سعد في «الطبقات» (4/30-22).
  12. «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» (1/446).
  13. في «السلسة الصحيحة» (1/453).
  14. «السلسة الصحيحة» تحت رقم (2036).
  15. (5/333) (5/387 – 388).
  16. قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «منهم من يرى أن فرج النبي ﷺ الذي جامع به عائشة و حفصة لا بد أن تمسه النار ليطهّر بذلك من وطئ الكوافر على زعمهم، لأن وطئ الكوافر حرام عندهم» «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (28/481)
  17. كما جاء في «مجموع فتاواه» (3/407 – 408).
  18. كما في «مجموع فتاواه» (28/491).
  19. «مختصر الصواعق المرسلة» (1/90).
  20. في «فتح الباري» (3/11).
  21. بتصرف من كتاب «فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة» للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر، دار ابن الأثير، الطبعة الأولى 1422هـ.
  22. من طريف ما يذكر هنا، أن ممن تأثر بشيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ وأحبه مثلي، سمي «محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات، الصدر المعمّر المسند بقية المعمرين، شمس الدين اللخمي (700-794) (95) وكان له حضور على جدته لأمه، وتفرد عنها، وذكر أنه سمع «صحيح البخاري» من ابن الشحنة، بحضور ابن تيمية بالحنبلية» «أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ » للشيباني ص (173-174).