الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   نصح الموافق والمخالف   »   الثبات الثبات

(أضيف بتاريخ: 2021/10/26)

بيانات الكتاب

الثبات الثبات

الثبات الثبات

وصف مختصر:

هذه الكليمات الشفيقات هي مقدمة بحثنا‏ «الثبات حتى الممات‏» قيد التدوين، والله المستعان

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

1/11/1430هـ 20/10/2009م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 634 KB )

قراءة

( 8 صفحة )
الثبات الثبات
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

الثبات الثبات

﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾
سورة «آل عمران» الآية(8)


بعد البسملة والحمدلة والحوقلة أقول:

في التحضيض علىٰ الثبات في الحق حتىٰ الممات ترادفت النصوص وتضافرت، وما ذا إلا لعظم الأمر، وخطر الردّ، ومن ذا:

قول الله تعالىٰ‏: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ ﴾ [آل عمران:102].

وقال تعالىٰ‏: ‏﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏ ﴾ [الحشر:18].

وفي‏ «الصحيح‏» يقول رسول الله -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وإخوانه وآله وسلم-‏: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء، ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا علىٰ طاعتك‏» رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالىٰ عنه- قال‏: «حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.

فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتىٰ ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتىٰ ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها‏» متفق عليه.

وتأكيدًا وتوكيدًا لما تقدم: جاء الوحي المقدس ببيان ثبات أرباب الباطل علىٰ باطلّهم بل وتواصيهم به! وفي ذلك تهييج للنفوس الراسخة، وتقوية لها للأخذ بقوة بـأنواط الثبات والإثبات‏: ﴿ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:63].

الحاصل: في ثبات أهل الباطل علىٰ باطلهم، قال تعالىٰ‏: ﴿ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ‏ ﴾ [ص:6].

هذا في القديم وكذا نشاهده آسفين في الحديث، نسمعه كاسفين، في الوقت الذي نشهد فيه اضطرابًا وقلاقلَ وفتنًا بين بعض الطيبين 1!.

عليك بالعتيق وإياك والتنقل والتلون.

جاء في‏ «مصنف ابن أبي شيبة‏ –رحمه الله تعالىٰ- عن حذيفة أنه قال‏: «رب يوم لو أتاني الموت لم أشك، فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري علىٰ ما أنا منها».

وأوصىٰ أبا مسعود فقال: «عليك بما تعرف وإياك والتلون في دين الله».

وتناقلت هذه الوصية -وذلك حقها- وما أحوجنا إلىٰ تناولها والتواصي بها؛ فلئن كانت حاجة الزمان الفاضل إليها كما تقدم؛ فحاجتنا إليها اليوم أشدّ، ونحن في زمان فتن، وهل خلا زمان من فتن؟! غير أنه التفاوت.

الحاصل: عن أبي الشعثاء قال: خرجنا مع أبي مسعود الأنصاري فقلنا له: اعهد إلينا. فقال: «عليكم بتقوىٰ الله، ولزوم جماعة محمد ، فإن الله تعالىٰ لن يجمع جماعة محمد علىٰ ضلالة، وإن دين الله واحد، وإياكم والتلون في دين الله، وعليكم بتقوىٰ الله، واصبروا حتىٰ يستريح برٌّ ويُستراح من فاجر‏» ‏«المستدرك علىٰ الصحيحين‏‏» (4/552).

وبعد.. فالحديث عن التقلب والثبات، والتغير في الحياة وحال الوفاة قبيل الممات، حديث ليس بالحديث، ونبأٌ لا يجهله بعيد، يقرّ به قريب، ويؤمن به أريب، براهينه شاخصة بل شاهقة، محسوسة بل ملموسة قاضية.

فبينا ترىٰ الرجل يرفل في العافية، معافىٰ علىٰ الجادة مجدّ، ساع في الفانية للباقية، والمرأة مثله مكدة متحنثة كادحة، كابحة جماح نفسها راغبة راهبة، إذ يصدمنا صدودٌ، ويفجأنا بل يفجعنا اعوجاج، يتلوه انحراف وانجراف!

أمر: تشتت فيه أفهام، وأفلت معه ظنون، واضطربت له مع القلوب أركان.

أمر: أرّق مراقِ الصاعدين، وهزّ عرش كل يقين، اهتزّ له قوي بنيان، وتجلجل له جلال، وقلقل قرار وقار.

أمر: ارتجت له عقول فحول، وحارت له مع الفهوم عيون، واختلطت معه ألسن، وأخرست أخرىٰ خوفًا وخجلًا.

أمر: استكانت معه الأنفس، وخضعت له جوامح بل وطوامح الجوارح، وخارت مع تصوره أقدام بل أركان نهمان.

أمر: أورث همًّا، وأعقب غمًّا، وألهب رهبة، وخلّف رجاءً وخوفاً، واستغاث استعانة.

أمر: مردّه لله، والربّ عادل عليم، يعلم السرّ وأخفىٰ، فألجأ إلىٰ التضرع وألزم افتقارًا للغفار الجبار.

إنه الثبات، تلكم الشعيرة المتعلقة بتحقيق التوحيد، بصدق اليقين، وثمرتها حُسن الخاتمة، المستلزمة حرصًا دونه كل حرص، المقتضية حذرًا فوق كل حذر، المستدعية رغبة تطيش معها كل رغبة، والمستجلبة رهبة دون تصويرها بيان.

ترىٰ واحدَهم -من أهل الخنا والمجون- قلبه بمعصية الله مظلمٌ سقيم؛ إذ به أقبل علىٰ الطاعة والإحسان، وسلك سبيل التقىٰ والإيمان، والعكس، في دلالة علىٰ تقلب القلب؛ لأجل ذلك سُعِيَ وراء الرسوخ، وأُلِحَّ في طلب التثبيت علىٰ الدين.

وفيه: قال النواس بن سمعان الكلابي -رضي الله تعالىٰ عنه- سمعت رسول الله يقول‏: «ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه. وكان رسول الله يقول: يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا علىٰ دينك.

قال: والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا ويخفض آخرين إلىٰ يوم القيامة‏» ‏«صحيح سنن ابن ماجة‏‏» (1/72) برقم(199).

قلت: والحكاية مع المضارعة تدلّ علىٰ الإكثار، وما ذا إلا لكونه ذا شان، وهو كذلك، فالحذر الحذر! السُّنَّة السُّنَّة! الاستعانة الاستعانة.

بل جاء بذا مصرَّحًا فيما روته أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله تعالىٰ عنها- وقد سُئلت: يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي علىٰ دينك».

قالت: قلت يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي علىٰ دينك؟

قال: «يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ».

فتلا معاذ ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾‏» ‏«صحيح جامع الترمذي‏» (5/538) برقم(3522) وسائلها شهر بن حوشب.

أجل، سعىٰ الصالحون سعيَ حذر، شعارهم في الخلوات الخوف، ودثارهم في الجلوات المراقبة، ورجا المفرطون وما قنطوا، وفي ساعات انكسار قنتوا، تحقيقًا لمفهوم قوله -صلىٰ الله عليه وإخوانه وآله وسلم-‏: «… فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتىٰ ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‏» متفق عليه.

وقد أخبر النبي -صلىٰ الله عليه وإخوانه وآله وسلم- عن سرعة تقلب القلب مع تقلب الحال سيما في أهل آخر الزمان لكثرة الفتن وتناكحها، فقال‏: ‏«إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافراً‏» الحديث.

كيف لا؟! مع قلة العلم وكثرة الجهل، وكون القلوب ضعيفة والشُبه خطّافة، مع اعتبار سرعة تقلب القلب، وتوارد زلازل الفتن عليه.

عن المقداد بن الأسود -رضي الله تعالىٰ عنه- قال: «ما آمن علىٰ أحد بعد الذي سمعت من رسول الله يقول‏: ‏«لقلب ابن آدم أسرع تقلُّبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا‏» صححه العلامة الألباني في‏ «ظلال الجنة‏» برقم(226)

وأرشد أن في الذكر ثباتها، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي أنه كان يقول‏: «إن لكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله، وما من شيء أنجىٰ من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولو أن يضرب بسيفه حتىٰ ينقطع‏» ‏«صحيح الترغيب والترهيب‏» برقم(1495).

قلت: وأطلق الذكر ليدخل فيه نوعيه: العام والخاص. بل ويأتي في الباب مع الذكر الدعاء من قلب واع، فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال‏: «القلوب أوعية وبعضها أوعىٰ من بعض فإذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل‏» ‏«صحيح الترغيب والترهيب‏» برقم(1652).

المؤمنون صدقا هم أهل الثبات حقا

والدليل قوله تعالىٰ‏: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏ ﴾ [البقرة:265].

وتحتها ذكر الحافظ ابن كثير‏ -رحمه الله تعالىٰ‏-: «وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم في ذلك‏‏ ﴿ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾‏ أي: وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم عن ذلك أوفر الجزاء…

قال الشعبي‏: ﴿ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي تصديقًا ويقينًا‏، وكذا قال قتادة وأبو صالح وابن زيد واختاره ابن جرير‏» إهـ المقصود‏ «تفسير القرآن العظيم‏» (1/326) ط. دار المعرفة.

وقد تقرر فاستقر، أن العلي الغني حَكَمٌ عدل، قضىٰ وانقضىٰ، نصب الأسباب والموازين، والمسببات معقودة بأسبابها، ووعده تعالىٰ كريم لا يتخلف تكرُّمًا، سنة ماضية.

فاغتنموا الأوقات في الخيرات، بالخلوات والجولات، وعليكم بترادف الطاعات؛ مخلصين متبعين؛ راغبين راهبين.

والأمر دين: إيجاد وإعداد وإمداد، فهلاك فقيام وأهوال، وهائل سؤال، وهول مقام!!!

شأن شديد، وأمر عتيد، إنها عقبة كؤود، والدار دار خلود، وفيها رؤية الودود سبحانه.

ربٌّ برٌّ عفوٌّ ودود غفور غني، سبحانه سبحانه، ما أعظم شانه، وأكرم نواله، وأجود عطاءه، وأنعم إنعامه، وأكثر بركاته، وأسمح هباته.

أمره فصل، وقضاؤه عدل، وعطاؤه فضل، وإرادته خير، ومشيئته برّ.

فيا ربّ.. يا حنان يا منان، يا كريم يا عظيم؛ خذ بأيدينا ونواصينا لما تحب وترضىٰ، وأسكنا يا غفار دار الأبرار.

أيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا علىٰ طاعتك، نعوذ بك من الحور بعد الكور، من السلب بعد العطاء.

نسألك حُسن الاتباع، حسن الختام، حسن الموقف، حسن الرفقة فالرؤية2.

كتبه
الفقير إلىٰ رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
1/11/1430هـ 20/10/2009م
  1. نعم.. فيها تنقية وتمحيص، غير أنه لو كانت المراجعات سرًا مع التدليل ممشوجةً برفق ولين، لأثمرت.
  2. وهذه الكليمات الشفيقات هي مقدمة بحثنا‏ «الثبات حتى الممات‏» قيد التدوين، والله المستعان، ونستمده التوفيق، ونرجوه تعالى القبول، والإجزاء يوم المثول.