الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   ضوابط التكفير والتحذير من التسرع فيه   »   فتوى في رجل جمع بين الصلوات والاستهزاء مع السب

(أضيف بتاريخ: 2021/10/26)

بيانات الكتاب

فتوى في رجل جمع بين الصلوات والاستهزاء مع السب

فتوى في رجل جمع بين الصلوات والاستهزاء مع السب

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

صغير

تاريخ التأليف:

18/11/1424هـ - 11/1/2004

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 661 KB )

قراءة

( 6 صفحة )
فتوى في رجل جمع بين الصلوات والاستهزاء مع السب
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

فتوى
في رجل جمع بين الصلوات والاستهزاء مع السب

جاء في مجلة‏ «البحوث الإسلامية‏» العدد (24) إجابة اللجنة الدائمة عن فتوىٰ:

‏‏«عن رجل يأخذ الرشوة، ويسبّ آيات القرآن، والحديث، ويدّعي أن الحجاب تعصب، ويصلي أحيانًا في المسجد، وأحيانًا في غيره، وقد يجمع بين الصلوات -أما والدته- فيقول أنها لا تصلي….؟

الجواب:

أولاً: سبّ آيات القرآن و الأحاديث الثابتة: كفر، يخرج من الإسلام.

و ترك الصلاة عمداً: كفر أيضاً.

وأخذ الرشوة من كبائر الذنوب.

عليك أولاً: أن تنصح لوالديك في آداء الصلوات الخمس في أوقاتها.

وأن تنصح لوالدك في ضبط لسانه عن السبّ عامّة، وعن سبّ القرآن والحديث، والاستهتار بالحجاب خاصة، وبترك الرشوة.

فإن استجاب والدك للنصيحة فالحمد لله.

وإلا فاهجرهما هجرًا جميلًا، ولا تخالطهما مخالطة تضرك في دينك ولا تؤذهما، بل وصاحبهما في الدنيا بالمعروف، وتابع النصيحة لأخواتك خشية أن يصيبهن فتنه بمعاشرتهما…‏» ‏‏«اللجنة الدائمة‏» المشايخ: ابن قعود، ابن غديان، عبدالرازق عفيفي، ابن باز –رحمهم الله تعالىٰ-.

فانظر أخي – بارك الله فيك – إلىٰ جمال الفتوىٰ ودقتها.

فقد بينّت الحكم العام –دون إنزاله علىٰ معين– لتلكم المهلكات العظام.

وأرشدت السائل إلىٰ الأسلوب الأمثل، والطريق الأقوم: وهو نصح المتلبس بها –المتلطخ بأوحالها، المتلوث بأدارانها – لا تكفيره ابتداءً لمجرد قوله1 أو فعله.

ثم أمرت بما فيه صلاحهم، وهو: النصح.

ثم أردفت ذلك بما فيه سلامة السائل، وهو: الإنكار –إن أحسنه- وإلا فالهجران، صيانة له، وكذا مَن حوله. فيا ليت إخواني المتحمسين يفقهون هذا الدرس.

هذا.. ولهذه الفتوىٰ أخرىٰ، تساميها في الحسن، وتضاهيها في البيان، أذكرها؛ كي ينتفع بها فئام كرام، ويلجم بإيرادها باطل كل باطل، ويفضح كفر كل تكفيري، وينسف عِجل كل عَجل، لا يفقه من كلام أهل العلم حقيقة المرام.

فقد سئلت: اللجنة الدائمة للبحوث العملية والإفتاء (2/12) السؤال الثاني من الفتوي رقم (3419) ط – دار العاصمة الثالثة 1419 هـ ما نصه:

‏‏«أسكن في منزل فيه يسكن إنسان يطلق لحيته حينًا ويحلقها حيناً، ويكذب، ويعصي والديه، ويسبّ هذا الدين وخالص الأمر: أنه يظهر فيه جملة من علامات النفاق أعاذنا الله وقد حدث أن سبّ لي الدين في عشر دقائق سبع أو ثمان مرات، فهل يلقىٰ علىٰ مثل ذلك السلام؟ وأنا أبغضه. وإذا ألقىٰ علىٰ السلام، فهل أرده؟ أفيدونا.

فأجابت اللجنة الموقرة:

‏‏«سبّ الدين والعياذ بالله كفر بواح بالنص والإجماع، لقوله سبحانه‏: ‏﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة:66،65] وما ورد في معناها.

ويجب أن ينصح وينكر عليه ذلك، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فلا يجوز أن يبدأ من يسب الدين بالسلام، ولا يرد عليه إن بدأ، ولا تجاب دعوته.

ويجب هجره هجرًا كاملا حتي يتوب، أو ينفذ فيه حكم الله بالقتل، من جهة ولي الأمر؛ لقول النبي ﷺ: «من بدل دينه فقتلوه‏» أخرجه البخاري برقم (3017) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-.

ولا شك أن المنتسب للإسلام إذا سبّ الدين فقد بدل دينه2 وبالله التوفيق. وصلىٰ الله علىٰ نبينا محمد وآله وصحبه وسلم». المشايخ: ابن قعود، ابن غديان، النائب: عبد الرزاق عفيفي، الرئيس: عبد العزيز بن باز.

وبعد.. فمما ينبغي أن يُعلم، بل ويستقر في الأذهان، أننا بذا لا نهوّن من شأن هذه المهلكات، بل المكفرات، فالسب -سواء كان لله تعالىٰ أو كتابه العظيم أو رسوله الصادق الأمين- هو ينبوع الكفر -كما قال شيخ الإسلام $-.

ولكنا في الوقت نفسه، نبيّن للناس حقيقة الأحكام؛ حتىٰ لا تضلّ الأفهام.

نكرر، ليتقرر: أنه يجب أن يُعلم أنه ثمة فرق كبير وعظيم بين: حكم السّبّ، وحكم السّابّ نفسه.

بين أن يقال: هذا -الفعل أو القول أو الاعتقاد- كفر. وأن نكفر قائله، أو فاعله، أو معتقده، إلا بعد شروط وضوابط معلومة مزبورة في دواوين أهل العلم، وعن طريق ولاة الأمر -أعني: العلماء حكماً، والأمراء تطبيقاً، ونحن لهما تبع-.

أما أن يفهم الغِرّ خلاف ذلك ويطلق للسانه العنان في تكفير الأنام، فهذا هو الخبط والخلط والخطل.

لذا كان البيان، والله -سبحانه- الهادي، والموفق إلىٰ سواء السبيل.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك علىٰ نبينا محمد، وعلىٰ آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه:
الراجي عفو ربه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
في: 18/11/1424هـ – 11/1/2004
  1. نعم، فلجهله، أو سهوه، أو سوء أدبه، وانحرافٍ في تربيه، يتلفظ بما لا يقصد حقيقته، ولا يقف على مغبته.

    وفي هذا يقول شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى–: «ولهذا كانت الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقل يعلم ما يقول ويقصد… وما وقع من لفظ أو حركة –بغير قصد القلب وعمله– فإنه لا يؤاخذ به… وأما إذا كان يعلم ما يقول: فإن كان مختارًا قاصدًا لما يقوله: فهذا الذي يعتبر قوله… وما كان كفرًا من الأعمال الظاهرة –كالسجود للأوثان وسب الرسول، ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزمًا لكفر الباطن، وإلا فلو قدر أنه سجد قدام وثن، ولم يقصد بقلبه السجود له بل قصد السجود لله بقلبه: لم يكن ذلك كفراً‏» انظر «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (14/115/120).

    ولقد طبق شيخ الإسلام هذا المسلك الرشيد؛ فيقول‏: ‏«ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله تعالي فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهّال‏» ‏‏«مجموع فتاوى شيخ الإسلام‏» (23/326).

    وكذلك قال الشافعي –رحمه الله تعالى– لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: «كفرت بالله العظيم»، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد، لسعى في قتله‏» ‏‏«مجموع فتاوى شيخ الإسلام‏» (23/248) باختصار.

    ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: «ومسألة تكفير المعين، مسألة معروفة إذا قال قولًا يكون القول به كفرًا، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر، ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك، لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها»‏ «الدرر السنية‏» (8/244).

  2. وهذه المسألة من مسائل القوم التي رموا بسببها أهل الحق بالإرجاء، وفيها قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى– في‏ «الصارم المسلول علي شاتم الرسول‏» (2/461): «سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر وجماع جميع الضلالات، وكل كفر ففرع عنه، كما أن تصديق الرسل أصل جميع شعب الإيمان وجماع مجموع أسباب الهدي».

    قلت: هذا الحكم الشرعي، وإما إنزاله على معين: فلا.. إلا بعد مراعاة ثبوت الشروط في حقه، وانتفاء الموانع عنه.

    يقول الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى-: «ثم هنا شيئان، أحدهما: الحكم على هذا الشيء أنه كفر. والثاني: الحكم على الشخص بعينه شيء آخر..» انظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (12/191).

    نعم، فمما يشكل علي البعض عدم تفريقهم بين حكم السب وحكم الساب، وسأنقل لك هنا كلام أئمة الفتوى في هذا الزمان إنزالًا لهذه القاعدة الشرعية وتأويلًا لها:

    لما عرض الشيخ الحلبي على العلامة الألباني فتوى اللجنة الدائمة (2/14) في مسألة ساب الدين وقولهم: «وينبغي أن يُبين له أن هذا كفر فإن أصر بعد العلم: فهو كافر‏» قال: وعرضت عليه كذلك فتوى فضيلة أستاذنا الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح العثيمين $ ضمن «مجموع فتاويه‏» (2/154) واشتراطه‏ «الإرادة والقصد للحكم بتكفير المعين للفاعل ذلك» ثم سألته بعد: هل ترون غير هذا الحكم؟ فكان جوابه حاسمًا حازمًا جازماً‏: «بل هذا عين ما نقول به‏» انظر «التعريب والتنبئة‏» ص (44).

    وسئل الشيخ عبد الرازق عفيفي في فتاويه ص(372) ما حكم المستهزي بالدين أو ساب الدين أو الرسول ﷺ أو القرآن العظيم، هل يكفر ولو كان جاهلًا؟

    فقال الشيخ – رحمه الله عليه –: «هذا الباب كغيره من أبواب الكفر، يُعلّم ويؤدّب، فإن عَلِم وعاند بعد التعليم والبيان: كفر، وإذا قيل: لا يعذر بالجهل، فمعناه يعلم ويؤدب، وليس معناه أنه يكفر».

    وتأويلًا لما تقدم هذه فتوى للشيخ محمد بن إبراهيم كما في فتاويه (12/186-187) قال فيها: «ونفيدكم أننا باطلاعنا علي أوراق المعاملة، وعلي كتاب فضيلة رئيس المحكمة: لم يظهر لنا ما يوجب علي (سعد) إقامة حد الردة، إذ إنه لم يصرح بسب الإسلام، وإنما سب دين الرجل، وهذه تحتمل أنه أراد أن تدين الرجل ردئ، والحدود تدرأ بالشبهات، وبهذا تكون إحالة المذكور إلي قاضي المحكمة المستعجلة لتقرير التعزير اللازم عليه وجيهًا. أما سجنه، فإنه يكتفى بما مضى له في السجن، والله يحفظكم».

    وانظر فتوى له أخرى كذلك في (12/187) وفيها قال: «ونظرًا لما ذكرته عنه أنه جاهل بمدلول ما صدر منه، فيكتفى بما قررتموه عليه تعزيرًا، وفقكم الله، والسلام عليكم».

    فلا غرو -بعد ذكر ما تقدم- أن يقول الشيخ العلامة ابن عثيمين عن هؤلاء المخالفين: «… لكن الذين يريدون أن يكفروا الناس يقولون عنه -أي: الشيخ الإمام الألباني- وعن أمثاله -وهم هنا: السادة السلفيون، شرَّفهم الله ورفع أقدارهم- أنهم مرجئة، فهو من باب التلقيب بألقاب السوء» «ديباجة التعريب والتنبئة» للشيخ علي الحلبي.

    والسؤال الملحّ هنا: ما هو قولكم -وأنتم أهل الغيرة على المحارم، بزعمكم- في تكرار سبّ أئمتكم -أعني: سيد قطب والمودودي- الأنبياء -تصريحَا وتلويحَا-؛ فهل نعتبر سكوتكم -بل وثناءكم عليهم وربط الشباب الطيب الغض الطري بهم، ودعوتكم لهم بأن ينهلوا من كتاباتهم، ومنها هذا الخلق العفن- إقرارًا بهذا الذي وصفه شيخ الإسلام بأنه ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع جميع الضلالات، وكل كفر ففرعٌ عنه؟! فإن كان جوابكم: لا. قلنا أين هزكم للمنابر في إنكاره، وقد كدتم تحطمونها في إنكار ما هو دونه بكثير؟!

الوسوم: