الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التعامل مع ولاة الأمر   »   النشوز للشواذ

(أضيف بتاريخ: 2024/09/08)

بيانات الكتاب

النشوز للشواذ
النشوز للشواذ

النشوز للشواذ

وصف مختصر:

ردٌّ علـى جريـدة «المصري اليـوم» تحـت ترجـمــة: «علماء الأزهر: خلع الرئيس التونسى جائز شرعاً وإذا استشرى الفساد وجب الخروج على الحاكم»

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

12/2/1432هـ 16/1/2011م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 1 MB )

قراءة

( 14 صفحة )
النشوز للشواذ
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

النُّشُوزُ للشَّوَاذِّ

ردٌّ علـى جريـدة «المصري اليـوم» تحـت ترجـمــة:
«علماء الأزهر: خلع الرئيس التونسى جائز شرعًا
وإذا استشرى الفساد وجب الخروج على الحاكم»

بعد البسملة والحمدلة والحوقلة، أقول:

خرجت علينا جريدة جريئة جرباء «المصري اليوم» مترجمةً «علماء الأزهر: خلع الرئيس التونسى جائز شرعاً.. وإذا استشرى الفساد وجب الخروج على الحاكم» كتب/ أحمد البحيرى ١٦/ ١/ ٢٠١١.

وتحتها قالت في شذوذ: «أكد عدد من كبار علماء وشيوخ الأزهر أن طاعة ولى الأمر ليست مطلقة في الشريعة الإسلامية، وقالوا إنها مقيدة بعدم مخالفة أوامر الله تعالى وتوفير الحياة الكريمة وحفظ كرامة الرعية.

قال الدكتور (…) مجمع البحوث الإسلامية، لـ «المصري اليوم»: إن قول المولى عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ لا يعنى الطاعة المطلقة للحاكم أو ولى الأمر وإنما هذه الطاعة مقيدة بعدم مخالفة تعاليم وأوامر المولى عَزَّ وَجَلَّ، استنادًا للقاعدة الشرعية «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

وأضاف: «عدم تنفيذ الحاكم وعوده في برنامجه الانتخابي يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته، وإذا استشرى الفساد وأصبح ظاهرًا ومخالفًا لأحكام الشريعة وجب الخروج على الحاكم».

وقال الدكتور (…) عضو مجمع البحوث الإسلامية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا: «إن مبدأ طاعة ولى الأمر في الشريعة الإسلامية ليس مطلقًا، بل تحكمه ضوابط وقواعد عامة، منها عدم الخروج على أحكام الشريعة».

واستدل (…) بـ «ما حدث لجماعة من المسلمين حينما كانوا في سفر فغضب عليهم أميرهم في السفر، وسألهم: أليس لي عليكم حق الطاعة؟ فأجابوا: بلى، فقال: إذن اجمعوا حطبا، وأوقدوا النار فيه، ففعلوا ثم أمرهم بأن يلقوا بأنفسهم في النار، فرفضوا وقالوا: ما أسلمنا إلا هروبًا من النار فكيف ندخل فيها، وحينما عادوا قابلوا النبي ﷺ وأخبروه بما حدث فقال (لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في الطاعة)، مما يدل على تقييد طاعة ولى الأمر وربطها بعدم معصية الخالق أو مخالفة الأحكام الشرعية».

وأكد (…) أن «خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن على، تم بطريقة أقرب إلى الشرعية وجائز شرعًا، إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن».

وذكرت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن طاعة ولى الأمر محددة بضوابط وليست مطلقة، وترتبط بتوفير ولى الأمر سبل الحياة الكريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، مستدلة بقول سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما تولى الخلافة: «أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوّموني»، فرد أحد الحضور: «والله أقوّمك بسيفى»، فقال سيدنا عمر: «رحم الله هذا الزمان إن وجد فيه من يقوّم عمرًا بسيفه» [من هنا].

والتعليق:

أولاً: من قال من أهل العلم أن طاعة غير المعصوم طاعة مطلقة1؟! بل وهل ادعاها أحدهم؟!

ثانياً: قولهم: «وتوفير الحياة الكريمة، وحفظ كرامة الرعية»، فهذا ليس له، بل للإيمان وحسن الاتباع، وإنما خوطب الحاكم كما خوطب المحكوم بتقوى الله تعالى قدر الاستطاعة.

ثالثاً: وبهذه -وهذه فقط- بطلت المقدمة فبطلت ببطلانها النتيجة، وهي باطلة زاهقة، شاهدة على أن «وراء الأكمة شيء».

رابعاً: قولهم: «إن قول المولى عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ لا يعنى الطاعة المطلقة للحاكم أو ولى الأمر وإنما هذه الطاعة مقيدة بعدم مخالفة تعاليم وأوامر المولى عَزَّ وَجَلَّ» فقط؟!!! أم وأوامر رسوله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ2.

خامساً: وقولهم: «استنادًا للقاعدة الشرعية: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» هذا من الجهل، إذ يَعلمُ صبياننا وعجائزنا أنه حديث صحيح3، وإن كان فالنسبة له أوجب وأجل لكونه أقدس، كما في حديث «لا ضرر ولا ضرار»، ولما تقرر أن مخالفة القاعدة كفر -على تفصيل- وتخصيصها بالقائمة على النصوص دونما سواها.

سادساً: وقولهم: «عدم تنفيذ الحاكم وعوده في برنامجه الانتخابي يبيح للرعية الخروج عليه وعدم الالتزام بطاعته، وإذا استشرى الفساد وأصبح ظاهرًا ومخالفا لأحكام الشريعة وجب الخروج على الحاكم»اهـ؛ عجيب غريب، على أي دليل شرعي اتكأ هؤلاء؟! والعاقبة حالقة، والخطب جلل، كيف والأدلة قاضية بالمنع مع الردع4؟!!! وستأتي.

سابعاً: يُسألون عن قولهم: «وإذا استشرى الفساد …»؛ فساد الراعي أم الرعية؟، وإن كانت الثانية نخرج؟!!! بئس الرأي.

كيف وهو مردود مرفوض بالنص؟!

كيف وفيه -أي: الفساد-: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «ومما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح، لا رفع الفساد بالكلية فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية.

إذ لا بد فيها من فساد ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ…﴾ [البقرة:30]؛ ولهذا لم تكن أمة من الأمم إلا وفيها شر وفساد، وأمثل الأمم قبلنا بنو إسرائيل، وكان فيهم من الفساد والشر ما قد علم بعضه…» اهـ5.

قلت: فانظر كيف عوّل شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في محاربة الفساد –بنوعيه: الحسي والمعنوي- تقف.

ثامناً: نبئونا بعلم –إن كنتم تعلمون- عن مفردات منهج الخوارج وسبب خروجهم، ثم ارجعوا إلى أنفسكم –إن كنتم تبصرون- تقفون.

تاسعاً: ثم حدثونا حديث صدق -إن كنتم صادقين- عن حال ومآل الخوارج في القديم والحديث، عن ثمارهم، ومع ذلك نقول: أنهم لا يخرج فعلهم عن التحريم والتجريم.

عاشراً: وذاك المستدل بإمارة السفر على الحضر، فغرّب ونحن مشرقون، أين الدليل على الخروج؟ إنما هو تأكيد على أمر مستقر.

الحادي عشر: وقوله الذي ساقه على استحياء -وحق له ذلك-: «وأكد (…) أن خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن على، تم بطريقة أقرب إلى الشرعية وجائز شرعا، إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن» إذا هي أقرب إلى الشرعية، ونؤكد له أنها ليست شرعية، بل وممنوع شرعاً.

الثاني عشر: إثبات التناقض في قوليه «أقرب للشرعية» و «جائز شرعاً».

الثالث عشر: مطالبته باحترام عقول المخاطبين، وذلك في قوله: «إذ لم يتم استخدام العنف في المظاهرات إلا من رجال الأمن» اهـ.

قلت: فهل أنت تقرّ المظاهرات؟! وما صلة المظاهرات بالعنف؟!! وهل تجيزه لرجال الأمن؟! إيهٍ يا دعاة الحقوق وأدعياء العدل؟

الرابع عشر: أما قول الآنسة فيقال له ابتداءً: أي أُنس يرتجى مع الخروج، وهذا بعد التأكيد والتوكيد على كذبهم أو جهلهم، فليختاروا أيهما، وكلاهما سُبّة.

الخامس عشر: يقال لهم ولها ولثالثة الأثافي6: أولم يوجد في الشريعة معالجة لهذا الأمر الذي هو منها بمكان «رعاية تامة، وزعامة عامة» إلا هذا العبث، ألا تتقون الله تعالى.

السادس عشر: ذكر الأدلة الصحيحة الصريحة بل الناطقة بل القاضية بعدم الخروج على ولاة الأمر –ما لم يظهر منهم كفر بواح واعتبار القدرة- وضرورة النصح مع الدعاء والصبر:

من ذلك: وتحت تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق:2] آية الفرج7، قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا كهمس بن الحسن، حدثنا أبو السليل، عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: جعل رسول الله ﷺ يتلو علي هذه الآية ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ حتى فرغ من الآية، ثم قال: «يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم» وقال: فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست، ثم قال: «يا أبا ذر، كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟» قلت: إلى السعة والدعة أنطلق، فأكون حمامة من حمام مكة، قال: «كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟» قال: قلت: إلى السعة والدعة، وإلى الشام، والأرض المقدسة. قال: «وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟» قلت: إذا -والذي بعثك بالحق- أضع سيفي على عاتقي. قال: «أو خير من ذلك؟» قلت: أو خير من ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع، وإن كان عبدا حبشيًّا»8.

قلت: فانظر كيف أمره النبي صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: بالصبر مع السمع والطاعة في المعروف بغض النظر عن الحاكم، وأرشد أنه هو الخير9، هذا.. وقوله الحق وأمره الصدق، واتباعه أوجب وأسبق وأحكم وأفلح.

ومن ذلك: عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْأَنْصَار: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ» رواه الإمام البخاري.

ومن ذلك: «… سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ. وفي رواية: وَقَالَ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»10.

قال القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ 11: «يعني أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة، فأراد: أنه إذا عصى الأمراء الله فيكم، ولم يقوموا بحقوقكم، فلا تعصوا الله أنتم فيهم، وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل».

ومن ذلك: «…عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا»12.

قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «…وأما قوله «أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا ما صلوا»: ففيه معنى ما سبق: أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام» اهـ13.

ومن ذلك: في «السنة» لابن أبي عاصم، عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله ﷺ قال: «لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم14 واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب»15.

وفي «السنة» لابن أبي عاصم أيضًا أن أبا الدرداء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة16 قيل: يا أبا الدرداء! كيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت»17.

وورد مثل هذا المنع والتحذير عن أبي مجلز رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ 18، وعن أبي إدريس الخولاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ 19.

وقال الحسن البصري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «…والله لا يستقيم الدين إلى بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر»20.

هذا قوله رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ وإليكم فعله: «قيل: سمع الحسن رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ رجلًا يدعو على الحجاج. فقال: لا تفعل-رحمك الله-، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير. ولقد بلغني: أن رجلًا كتب إلى بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال (أي: الحكام) فكتب إليه: «يا أخي، وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام»21.

وقال أمير المؤمنين -في الحديث- سفيان بن سعيد الثوري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ وسأله شعيب بن حرب: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عَزَّ وَجَلَّ به، فإذا وقفت بين يدي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ وسألني عنه، فقال لي: من أين أخذت هذا؟ قلت: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري، وأخذته عنه، فأنجو أنا وتؤاخذ أنت.

فقال: يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد، اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم… ثم ذكر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ اعتقاد أهل السنة… إلى أن قال: يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل…

يا شعيب بن حرب: إذا وقفت بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ فسألك عن هذا الحديث، فقل يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان بن سعيد الثوري، ثم خل بيني وبين ربي عَزَّ وَجَلَّ»22.

وقال الإمام الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعة، ونرى طاعتهم في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة»23.

وقال الإمام المحدث القدوة، شيخ الحرم الشريف، أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى24: «قد ذكرت من التحذير من مذهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم، وجاهد كل عدو للمسلمين، وصلى معهم الجمعة والعيدين، فإن أمروه بطاعتهم فأمكنه طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإن دارت بينهم الفتن، لزم بيته وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله».

وقال سهل بن عبد الله التستري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «… وقيل له: متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ قال: إذا عرفت من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة. ولا يسب أصحاب النبي ﷺ، ولا يخرج علي هذه الأمة بالسيف… ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو عدل»25.

ومن ذلك: نقل الإجماع على حرمة الخروج على الولاة، وإن كانوا فسقة ظلمة: وفيه:

قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «وأما الخروج عليهم، وقتالهم، فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين»26.

السابع عشر: قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «وأما أهل العلم والدين والفضل، فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا ومن سيرة غيرهم»27.

وقال العلامة شمس الدين ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : «وهذا كالإنكار على الملوك والولاة، والخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر»28.

وبعد.. هذا غيض من فيض، في نصوص بلغت حدّ التواتر، وإجماعات وآثار قاضية بخلاف قضاء هؤلاء الجهلة.

وإن تعجب فاعجب –وحق لك ذلك- أن من المتكلم بذا ولاة أمر، وهم المشار إليهم بـ (…)، فهل يُخرج عليهم؟! وهل يَقبلون؟!

لأجل ذلك ترجمت «النشوز29 للشواذ» أخذًا بأيديهم وعلى أيديهم، احتسابًا واتباعًا؛ سلامة للأبدان وصيانة للأديان.

هذا.. ومراعاة مني للوقت رأيت الإسراع30، مع الاختصار قدر الإمكان، والله تعالى الموفق وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين.

كتبه

الفقير إلى رحمة مولاه

أبو عبد الله

محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة

عامله الله تعالى بلطفه وبالغ فضله

في: 12/2/1432هـ 16/1/2011م

  1. ففي «الصحيح» عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا عن النبي ﷺ قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» رواه الإمام البخاري(7144) والإمام مسلم (1839).
    وقال القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ : قوله «على المرء المسلم…» ظاهرٌ في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحداً» «المفهم» (4/39).
  2. ولا يظنن ظان أن هذه هفوة منه، بل هي منهج شاذ تبنّاه، إذ قال في كتابه «من قضايا المرأة» ص(15): من جهة المقارنة بين الحديث والقرآن فما وافق القرآن من أحاديث اعتمدناه وأخذنا به لأن القرآن هو المعول عليه…» إهـ
  3. عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» «صحيح الجامع…» برقم(7520)
  4. كما ثبت في صحيح الإمام مسلم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ من حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا أن النبي ﷺ قال: «من جاءكم وأمركم جميعًا على رجل واحد يريد أن يشق عصا اجتماعكم فاضربوا عنقه كائنًا من كان» وفي رواية «فاقتلوه».
  5. «مختصر منهاج السنة» لشيخ الإسلام اختصره الشيخ الغنيمان (2/483-484).
  6. قرر د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الفيصل في مثل هذه الحالات قوله ﷺ «أنتم أدرى بشئون دنياكم»، والمثل العربي القائل «أهل مكة أدرى بشعابها» (المصدر).
  7. بل هي كما نقل الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قوله تحتها: «أكثر آية في القرآن فرجا».
  8. «تفسير القرآن العظيم» للحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ تحت الآية المذكورة.
  9. إذا ذكر هذا ذكرنا قول: ذكر شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «مجموع الفتاوى» أن ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان » انظر «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (30/134-135) ونسب هذا القول إلى بعض العقلاء مقرًا لهم، وهو كذلك.
  10. رواه الإمام مسلم (1846).
  11. في «المفهم» (4/55).
  12. رواه الإمام مسلم (1854).
  13. شرح النووي على صحيح مسلم (12/243-244).
  14. قال الشيخ الفوزان حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «شحن الغل والحقد على ولاة الأمور في قلوب العامة، هو من عمل المفسدين والنمامين الذين يريدون إشاعة الفوضى وتفكيك المجتمع الإسلامي، وقد حاول المنافقون قديمًا مثل هذا عندما أرادوا أن يفصلوا المسلمين عن رسول الله ﷺ ليفككوا المجتمع، وقالوا: «لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا» فمحاولة الفصل بين الراعي والرعية هي من عمل المنافقين، المفسدين في الأرض، الذين «إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون» والناصح لأئمة المسلمين وعامتهم على العكس من ذلك، فهو يسعى في تحبيب الرعاة إلى الرعية، وتحبيب الرعية إلى الرعاة، وجمع الكلمة، وتجنيب كل ما يفضي إلى خلاف» «الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة» للشيخ الفوزان ص(132-133)
  15. «السنة» لابن أبي عاصم (2/488) وانظره أيضًا في «التمهيد» (21/287).
  16. الحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق، أي: تهلك وتستأصل الدين، كما يستأصل الموس الشعر» «النهاية في غريب الحديث» (226)
    العقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم…ثم اتسع حتى استعمل في القتل والهلاك» «لسان لعرب» (9/313) و«النهاية» ص(630)
  17. «السنة» لابن أبي عاصم (2/488) وعنه «معاملة الحكام» ص(178-179) و«نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر» ص(30).
  18. في كتاب «الأموال» لابن زنجويه (1/78).
  19. في المرجع السابق (1/80).
  20. «آداب الحسن البصري» لابن الجوزي ص(121) و«جامع العلوم والحكم» (2/117).
  21. «آداب الحسن» ص(120).
  22. «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (1/154) و«التذكرة» للذهبي(2060207) والنقل عن «النقول الواضحة» ص(28-29).
  23. «شرح الطحاوية» ص(371).
  24. في كتابه «الشريعة» ص(37) وانظر ترجمته في «السير» (16/133).
  25. «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» ص(182،183) والنقل عن «النقول الواضحة…» لأحمد التويجري ص(33) بتصرف.
  26. «شرح صحيح الإمام مسلم» (12/229).
  27. «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (35/12).
  28. «القطبية هي الفتنة فاعرفوها» ص(34).
  29. النشوز: مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض. يقال: نشز الرجل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائماً؛ ومنه قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا ﴾ أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى» قاله القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في جامعه تحت آية «الرجال قوامون على النساء».
  30. هذا بعد ساعة من وصول النبأ، والله تعالى المسؤول الهداية للمسلمين والتوفيق لولاة أمورهم.