الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التحذير من الصوفية الكتب المطبوعة   »   الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لبعض مفردات منهج التصوف السافر

(أضيف بتاريخ: 2024/09/08)

بيانات الكتاب

الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لبعض مفردات منهج التصوف السافر
الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لبعض مفردات منهج التصوف السافر

الأنوار الكواشف والحجج الكواسر في إبطال الإمام القرطبي لبعض مفردات منهج التصوف السافر

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

دار الإمام المجدد

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

14/2/1426هـ 24/3/2005م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 1019 KB )

قراءة

( 11 صفحة )
الأنوار الكواشف والحجج الكواسر
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

الأنوار الكواشف والحجج الكواسر
في إبطال الإمام القرطبي
لبعض مفردات منهج التصوف السافر

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث: كتاب الله، وخير الهدي: هدي نبينا محمد صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور: محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

في هذه الوقفة: نقف مع كلام إمام من أئمة الإسلام، يدلي بدلوه في باب النصح لعموم الأجيال في هذا المنوال.

فمن كلام الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ قوله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ [ص:42]: «واستدل بعض جهال المتزهدة، وطغام المتصوفة، بقوله تعالى لأيوب: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾ على جواز الرقص.

قال أبو الفرج ابن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «وهذا احتجاج بارد؛ لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحاً، كان لهم فيه شبهة، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء»1.

قال ابن عقيل رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «أين الدلالة في مبتلىً أُمر عند كشف البلاء بأن يضرب رجله الأرض -لينبع الماء إعجازًا- من الرقص!! ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام؛ دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قوله سبحانه لموسى: ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ دلالة على ضرب الجماد بالقضبان!! نعوذ بالله من التلاعب بالشرع»2.

قال ابن عطية: تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله: ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الكهف:14].

قلت: وهذا التعلق غير صحيح، هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم، وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء والأولياء.

أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام!! وخاصة في هذه الأزمان، عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان!! هيهات!! بينهما -والله- ما بين الأرض والسماء، ثم هذا حرام عند جماعة العلماء»3.

وقال الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ عند قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ: ﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين ﴾ [المائدة:83].

«فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم، فمن كان مستنًا فليستن، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون، فهو من أخسهم حالاً، والجنون فنون…».

قال الإمام أبو الوفا ابن عقيل: «قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء:37]، وذم المختال، والرقص أشد المرح والبطر. أولسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر؛ لاتفاقهما في الإطراب والسكر، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب؟!.

فما أقبح من ذي لحية -وكيف إذا كان شيبة- يرقص ويصفق على إيقاع الألحان والقضبان، وخصوصًا إن كانت أصوات لنسوان ومردان، وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط، ثم هو إلى إحدى الدارين صائر، أن يشمس4 بالرقص شمس البهائم، ويصفق تصفيق النسوان…».

وقال أبو الفرج ابن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «ولقد حدثني بعض المشايخ عن الإمام الغزالي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا باللعب.

وذلك كله منكر يتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت»5.

قلت: ومن غريب فعال القوم: زعمهم أن لهم في رقصهم آداب!!!

قال الغزالي: «موافقة القوم في القيام إذا قام واحد منهم في وجد صادق من غير رياء وتكلف… وكذلك إن جرت عادة طائفة بتنحية العمامة على موافقة صاحب الوجد إذا سقطت عمامته، أو خلع الثياب إذا سقط عنه الثوب بالتمزيق؛ فالموافقة في هذه الأمور من حسن الصحبة والمعاشرة، ومن الأدب أن لا يقوم للرقص مع القوم إن كان يستثقل رقصه، ولا يشوش عليهم أحوالهم، إذ الرقص من غير إظهار التواجد مباح»6.

وزعموا أن أهل الجنة يتواجدون ويصرخون؛ فقالوا: «إنهم إذا دخلوها أمر الله مناديًا ينادي: يا داود، ارق على كرسيك، وأسمع الناس ساعة ليستريحوا من شدة تعبهم، فيصعد داود على كرسيه، فيقرأ لهم، ويسمع الناس أصواته الطيبة، وأطرابه المستلذة، فيصعد المحبون إلى سطوح قصورهم: فهذا يصرخ، وهذا يبكي، وهذا يقول: الله..الله، وهذا يقول:أنت..أنت، فيقول الله تعالى لملائكته: يا ملائكتي أما ترون أما ترون المحبين في سماعهم»7.

كما زعموا أن الملائكة عندهم كذلك يرقصون!! و«الملائكة الصوفية يرقصون حول العرش، يعتقد الصوفية أنهم بمجالس تواشيحهم إنما يقتدون بالملأ الأعلى (الملائكة الصوفية) الذين ينشدون ويرقصون أمام الله تعالى حول العرش: «…يارب لست أبكي شوقًا إلى جنتك ولا خوفًا من نارك، وإنما بكائي شوقًا إلى الملائكة (الصوفية) المتواجدين حول العرش سبعين ألفًا جرد مرد، يرقصون ويتواجدون حول العرش…»8.

وذكر الصيادي صفة الملائكة (الصوفية) الملقبين بـ «أهل السماع»: «أن الله خلقهم من نور بهائه، وخلق مثلهم سبعين ألفًا أقامهم بين العرش والكرسي، لباسهم الصوف الأخضر، ووجوههم كالقمر ليلة تمامه، لهم شعور كشعور النساء، وهم قيام متواجدون والهون، ينتقلون من العرش إلى الكرسي، ومن الكرسي إلى العرش، حالهم شبيه بحال السكارى؛ لما بهم من شدة التوله، إسرافيل قائدهم ومرشدهم، وجبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ رئيسهم، والله تعالى مليكهم وجليسهم»9!.

حتى غلا بعضهم وشذ، فكفر منكري السماع!، فـ «الرفاعية جعلوا من الواجب الإيمان بشرعية هذا السماع المتضمن للمواجيد والصراخ، وانساق بعضهم وراء غلوه؛ فحكم بكفر من أنكر شرعية هذا السماع قائلاً: «إن من أنكر ذلك فقد كفر؛ لأنه عاب خيرًا أمر الله به، ومن عاب ما أمر الله به فهو كافر»10، وهذا من تهوره، وكأنه اعتبر أن هذه البدعة أصل في الدين، مع أن عامة أهل العلم كتب الرسائل والمجلدات في ذم هذا السماع، ثم أن الصوفية لم يستطيعوا إثبات شرعيته أصلًا، فضلًا عن أن يجبروا الناس على قبوله، ولذلك لما كان من المستحيل تأييد هذه البدعة بنص من نصوص الكتاب والسنة لجأوا إلى الدليل الصوفي وهو المنامات»11.

الأمر الذي ألهب حماس كثير من عقلاء الناس، فانتفضوا في إنكاره من غير بأس، فهبّ: الشيخ السلفي عبد الرحمن الوكيل رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ مستنكرًا قائلاً: «فما بالك بالرقص!! ما بالك بتلك الأصوات المنكرة التي يخرجونها من أنوفهم كأنهم الحمر المستنفرة؟ وما بالك بالضرب بـ (اللاوندي) أو (السرياني)؟

ما بالك بشيخ كان يذهب هو ودراويشه إلى بغي ليقيموا ذكر الله عندها، ويأكلوا من فاحشتها، ويزعم أحدهم أن نور النبي ﷺ شديد عليه الليلة، فيطلب من البغي أن ترقص له حتى يطفئه قليلاً، فترقص وتميل على الدرويش؛ فيهيج هائجه! ما بالك بشيخ كان لا يذكر إلا إذا شرب الخمر…» اهـ.

انظر -إن شئت- ما يشمئز منه وجه العفة، وتستحي منه الطهارة، وينزوي منه الحياء، من هذا الخنا والمجون، في رسالة «من ضلالات الصوفية»12.

و «استمع إلى أي حد وصلت الإباحية بالبعض وموافقته بصنيع جهلة الصوفية:

خذي الدف يا هذه واضربي
وغني هزاريـك ثم اطـربي
تـولى نبـي بني هاشـم
وهذا نـبي بـني يعـرب
لكل نبي مضـى شـرعة
وهذي شرائـع هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة
وحـط الصـيام ولم يتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضي
وإن صوموا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا
ولا زورة القـبر في يثرب
ولا تمنعي نفسك المعرسيــ
ـن من أقـربي ومن أجنبـي
فكيف أُبحت لهذا الغريـب
وصـرت محرمـة للأب
أليس الغـراس لمن حـاطه
ورواه فـي الزمـن المجدب
وما الخمر إلا كماء السماء
حلالا فقدست من مذهب13

ومن إنكار الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ ما قاله: «وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله، سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضلَّ سعيهم وخاب عملهم»14.

ومن إنكار الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ ما قاله: «وقد استدل بعض جهال المتصوفة بقوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى الألْوَاحَ﴾ [الأعراف:150]؛ على جواز رمي الثياب إذا اشتد طربهم على المغني، ثم منهم من يرمي بها صحاحاً، ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها…

وذكر رد العلامة ابن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ وفيه: ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم، وهم يعرفون المغني من غيره، ويحذرون من بئر لو كانت عندهم، ثم كيف تقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء!!.

وقد سئل ابن عقيل رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ عن تواجدهم، وتخريقهم ثيابهم؟

فقال: «خطأ وحرام، وقد نهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال»15.

فقال له قائل: فإنهم لا يعقلون ما يفعلون.

فقال: إن حضروا هذه الأماكن مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم، أثموا؛ بما أدخلوه على أنفسهم من التخريق وغيره مما أفسدوا، ولا يسقط عنهم خطاب الشرع؛ لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذا الموضع الذي يفضي إلى ذلك، كما هم منهيون عن شرب المسكر. كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف «وَجدًا» إن صدقوا أن فيه سكر طبع، وإن كذبوا أفسدوا مع «الصحو» فلا سلامة فيه مع الحالين، وتجنب مواضع الريب واجب.

وقد استدل الشبلي وغيره من الصوفية في تقطيع ثيابهم وتخريقها بفعل سليمان هذا: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاق﴾ [ص:33]، وهو استدلال فاسد؛ لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد… فأما إفساد ثوب صحيح، لا لغرض صحيح، فإنه لا يجوز، ومن الجائز أن يكون في شريعة سليمان جواز ما فعل ولا يكون في شرعنا»16.

ومن إنكار الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ ما قاله تحت قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾ [النساء:28] قال: «مع الأحاديث التي ذكرناها، ما يرد قول من ينكر طلب الأقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة… وفي هذا ردّ على بعض جهال المتصوفة، حيث قال: «الذي يطلب الولد أحمق، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق»17.

ومن إنكار الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ قوله: «لعل جهال المتصوفة وزنادقة الباطنية يتشبثون بقوله تعالى: ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ [آل عمران:8] وأمثالها، فيقولون: العلم ما وهبه الله ابتداءً من غير كسب، والنظر في الكتب والأوراق حجاب! وهذا مردود»18.

ومن إنكار الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ قوله: «… وعلى الجملة، فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، وإجماع السلف على أنه لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل.

فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغني عن الرسل، فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب».

قلت: هذا منه رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ محمول على التشديد والتغليظ والتنفير من هذا الجرم، وإلا فإن إنزال الحكم على معين -مهما كان أمره- لا بد فيه من اعتبار ضوابط أهل العلم في ذلك؛ لخطر هذا الأمر وعظيم أثره.

ثم قال: «ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الذي جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول.

وبيان ذلك: أن من قال: يأخذ عن قلبه، وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، فإن هذا نحو مما قاله رسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إن روح القدس نفث في روعي…» الحديث19.

قلت: ومن عجيب ما يُذكر هنا -والمقام مقام العجب- أن سئل أحد هؤلاء الخرافيين -هو علي بن أبي الحسن، المعروف بـ «الحريري»- ما الحجة في الرقص؟ قال: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ !!! .

ولا غرو فقد عُرف عن هذا الهالك -كما عرف عن أضرابه وأشباهه- أنه كان «من أفتن شيء وأضره على الإسلام، تظهر منه الزندقة، والاستهزاء بالشرع، وذكرت عنه أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة، والجرأة على الله، وكان مستخفًا بأمر الصلوات …».

وقال علي بن أنجب في «تاريخه»: «الحريري شيخ عجيب! كان يعاشر الأحداث».

وقال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «أراح الله منه العباد سنة 645هـ»20.

قلت: هذا قبل مئين السنين، وفي هذا القرن يفتري: الصيادي أن أحد الصالحين رأى النبي ﷺ في المنام، فسأله عن قراءة المولد الذي يصنع من أجله، فقال له: من فرح بنا فرحنا به»21.

وزعم السهروردي في «عوارف المعارف» أن بعض الصالحين، رأى النبي ﷺ في المنام، فقال له: «يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئاً؟ فقال: ما أنكره؛ ولكن قل لهم يفتتحون قبله بقراءة القرآن، ويختتمون بعده بالقرآن»22.

أقول: تلكم كانت قبسات من أنوار كلام الإمام القرطبي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ سلطتها على الباطل وكل مبطل، وكأني بها لشدتها قد طفأت أنوار عين الباطل الصوفي، وكأنه به -وهو بين طباقات ظلماته- يتعثر في تيهه، ويتخبط في طريقه، وهو هائم في فيافي ضلاله تارة، ومنكبًا على وجهه تارة أخرى، يصيح ويصرخ، ويترنح في ذهول يلقيه في سكر محوه، فيفيق على ما فيه حتفه، فيعود إلى صراخه ولا مجيب، فيأتيه شيطانه يذكّره بإمامه، فراح وهو يلهث يستغيث -لا بالله تعالى غياث المستغيثين- ولكن لبواره وعظيم خسرانه يلتفت قلبه إلى القبور! ويرفع عقيرته: يا علي! يا حسين! يا بدوي! يا.. يا.. فجمع إلى ضلال الدنيا خسران الآخرة. والله سبحانه العاصم.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
راجي ستر مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في 14/2/1426هـ 24/3/2005م

  1. انظر «تلبيس إبليس» (2/258).
  2. «تلبيس إبليس» (2/258).
  3. «الجامع لأحكام القرآن» (10/366).
  4. شمست الدابة: شردت وجمحت.
  5. «الجامع لأحكام القرآن» (7/400).
  6. «الإحياء» (2/304).
  7. «الفجر المنير» ص(79-80) والنقل عن «الرفاعية» ص(201).
  8. «الفجر المنير» ص(80-81) و«قلادة الجواهر» ص(185) وانظر «الرفاعية» ص(200).
  9. «الفجر المنير» ص(80) و«قلادة الجواهر» ص(185) وانظر «طبقات الصوفية» للشعراني (1/136) والنقل عن «الرفاعية» ص(200-201).
  10. «الطريقة الرفاعية» ص(78).
  11. «الرفاعية» ص(204).
  12. «من ضلالات الصوفية» للشيخ عبد الرحمن الوكيل $، جمع الشيخ فتحي بن عثمان ص(42) ط. دار الألباني للتراث.
  13. «كشف أسرار الباطنية» للحمادي ص(31) والنقل عن «من ضلالات الصوفية» ص(197).
  14. «الجامع لأحكام القرآن» (1/293).
  15. «صحيح البخاري» برقم (7292) وغيره.
  16. «الجامع لأحكام القرآن» (15/197).
  17. «الجامع لأحكام القرآن» (4/72-73).
  18. «الجامع لأحكام القرآن» (4/21).
  19. «الجامع لأحكام القرآن» (11/40-41) والنقل المتقدم وغيره مجموع في رسالة لطيفة موسومة بـ «القرطبي والتصوف» لمشهور حسن – دار ابن حزم الطبعة الثانية 1420هـ.
  20. «إبطال وحدة الوجود» لشيخ الإسلام ص(27) بتصرف.
  21. «القواعد المرعية» (32-33).
  22. «عوارف المعارف» ص(110) ملحق بالمجلد الخامس من كتاب «إحياء علوم الدين» انظر «الرفاعية» لعبد الرحمن دمشقية ص(204).