الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التعامل مع ولاة الأمر الكتب المطبوعة   »   عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف

(أضيف بتاريخ: 2024/09/08)

بيانات الكتاب

عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف
عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف

عظيم الحاجة إلى كبح جماح العواطف العواصف

وصف مختصر:

عظيم الحاجة الى كبح جماح العواطف العواصف، وطرح الإيحاءات الشيطانية والنفثات البدعية، وضرورة شيوع الودِّ بين الحاكم والمحكومين، ورد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه؛ لما في ذلك من تحقيق مصالح الأمة وانتظام أمور الملة؛ وفق الضوابط الشرعية والآداب المرعية

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

دار الإمام المجدد

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

في: 26/5/1424هـ - 26/7/2003م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 1 MB )

قراءة

( 13 صفحة )
عظيـم الحاجـة الى كبح جماح العواطف العواصف
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

عظيـم الحـاجـة الى كبح جماح العواطف العواصف
وطـرح الإيحـاءات الشيطـانيــة والنفثـات البدعـيـة
وضرورة شيوع الــودِّ بين الحـاكـم والـمحكــوميـن
ورد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبـة الناس عليه
لما في ذلك من تحقيق مصالح الأمـة وانتظام أمور الملـة
وفــق الضــوابــط الشــرعـيـــة والآداب المـرعـيــة

من: أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد ……………. كان الله تعالى له.

إلى: إخوانه السلفيين -شرفهم الله تعالى، آمين-.

سلام عليكم، وبعد:

أقول لأخي الموافق بل والمخالف: اعلم -أرشدك الله لطاعته- أن من منهج أهل السنة والجماعة الرد على المخالف بما يقمع بدعته، لا سيما زمن الفتن، وخصوصًا ما يتعلق منها بالعامة، كفتن اليوم، ومنها: بيان منهج أهل السنة في التعامل مع ولاة الأمور، وكيفية نصحهم، وهذا مما خالف فيه القوم، ومخالفتهم ترجع لأصل فاسد كاسد عندهم يتبجحون -أي: يفتخرون- به فيما بينهم، فأقول:

في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ﴾ [البقرة:251]، وفيها:

نقل بدر الدين ابن جماعة عن الطرطوشي قوله: «قيل في معناه: لولا أن الله تعالى أقام السلطان في الأرض يدفع القوي عن الضعيف، وينصف المظلوم من ظالمه، لتواثب الناس بعضهم على بعض، فلا ينتظم لهم حال، ولا يستقر لهم قرار، فتفسد الأرض ومن عليها، ثم امتن الله تعالى على عباده بإقامة السلطان لهم بقوله: ﴿ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة:251]»1.

وقال الحسن البصري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «… والله لا يستقيم الدين إلى بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر»2.

وقال الإمام بدر الدين ابن جماعة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في مساق ذكر حقوق ولي الأمر: «الحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويبلون دعوتهم مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم، وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم، ليس من السنة»3.

نقل الإجماع على ما تقدم:

هذا وقد نقل العز ابن عبد السلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ4: «إجماع المسلمين على أن الولايات من أفضل الطاعات» و«أنها من أعظم واجبات الدين» كما قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ5.

ثانياً: وجوب طاعة ولي الأمر -في المعروف- فيما نحب ونكره، وإن لم يهتدوا بهدي النبي ﷺ ويستنوا بسنته، ولو أعطيناهم حقهم كله ومنعونا حقوقنا، ولو فشت فيهم الأثرة، ولو ظلمونا، وجاروا علينا، وضربوا ظهورنا، وأخذوا أموالنا.

وهذا الأصل مما تكاثرت به الآثار حتى بلغت حد التواتر، ومن رام الوقوف عليها فليرجع إلى كتب العقائد، ودواوين السنة، والرسائل المدونة في الباب -وما أكثرها-.

وينبغي الإشارة هنا إنني آثرت ذكر أقوال وتطبيقات السلف في هذا الباب ليقنع القوم.

ثالثاً: تحمل ظلم الولاة -إن وجد- والصبر عليه؛ طاعة وقربة.

ففي «السنة» لابن أبي عاصم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «عن عدي بن حاتم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: قلنا يا رسول الله: لا نسألك عن طاعة من اتقى، ولكن من فعل كذا وكذا -فذكر الشر- فقال ﷺ: اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا»6.

وعن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ: «يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرقك فاصبر، وإن أراد أمرًا ينقص دينك؛ فقل: سمعًا وطاعة، دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة»7.

وقال الإمام الآجري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «الشريعة» عن عمرو بن زيد، قال: سمعت الحسن أيام يزيد بن مهلب، يقول وأتاه رهط: «فأمرهم أن يلزموا بيوتهم، ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال: والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم، صبروا، ما لبثوا أن يرفع الله عَزَّ وَجَلَّ ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، والله ما جاءوا بيوم خير قط، ثم تلا: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُون﴾»8.

رابعاً: الدعاء لولاة الأمر من علامات أهل الاتباع مخالفة لأهل الابتداع:

وفي ذلك يقول الإمام البربهاري الحسن بن علي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله-.

ويقول الفضيل بن عياض رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا، فإن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين»9.

قال العلامة أبو الفرج ابن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «وقال الحسن البصري رَحِمَهُ اللَّهُ: اعلم -عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تتقى وتستدفع بالدعاء، والتوبة، والإنابة، والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هى أقطع.

وقيل: سَمع (الحسن البصري) رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل -رحمك الله-، إنكم من أنفسكم أرثيتم، إنما نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير»10.

وما أجمل ما ذكره الإمام أبو محمد سهل بن عبد الله التسترى رَحِمَهُ اللَّهُ حيث قال: «هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة: اثنان وسبعون هالكة، كلهم يبغض السلطان. والناجية، هذه الواحدة التي مع السلطان»11.

خامساً: بيان حكم وكيفية مناصحة ولاة الأمور:

أما حكمها: فواجبة بحسب الاستطاعة لخواص أهل العلم الراسخين فيه12 على أن يصحبها الحلم والرفق، وبما يناسب مقام الولاية العامة، وبما يحفظ هيبة السلطان، وذلك لعموم الأدلة القاضية بالأمر والنهي، ومنها -معتصراً-:

قول الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [التوبة:71].

وقوله ﷺ: «الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»13.

قال حافظ المغرب ابن عبد البر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «وأما مناصحة ولاة الأمر؛ فلم يختلف العلماء في وجوبها»14.

وأما كيفيتها: فتكون سراً، يخلوا به، فإن قبل فذاك، كما نطق بذلك الخبر الصادق من الصادق، وهو نص صحيح صريح في الباب، لا ينبغي العدول عنه إلى قول قائل، أو الاحتجاج بفعل فاعل، كائنًا من كان.

وقد نبه لذلك العلامة الشوكاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ فقال: «ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث، أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل النصيحة، ولا يذل سلطان الله»15.

وقال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «حدثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان حدثني شريح بن عبيد الحضرمي، وغيره، قال: «جلد عياض بن غنم صاحب دارا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول، حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم (صحابي قرشي جليل)، فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع قول النبي ﷺ: «إن من أشد الناس عذابًا، أشدهم عذابًا في الدنيا للناس».

قال عياض بن غنم (وهو ممن بايع بيعة الرضوان) يا هشام بن حكيم! لقد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت، أو لم تسمع رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك. وإلا كان قد أدى الذي عليه له»، وإنك يا هشام لأنت الجريء، إذ تجترئ على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ»16.

ومما يدل على ما نحن بصدده أيضًا: ما أخرجه الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «المسند» عن سعيد بن جمهان، قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفى، وهو محجوب بالبصرة، فسلمت عليه، فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: فما فعل والدك؟ قلت: قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنهم «كلاب أهل النار».

قال: قلت: وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بلى، الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم. قال: فتناول يدي، فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك، فأته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك، وإلا فدعه؛ فإنك لست بأعلم منه»17.

وقال المروزي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «النصيحة لأئمة المسلمين، تعني: حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم18 والتدين بطاعتهم في طاعة الله، وحب إعزازهم في طاعة الله»19.

سادساً: الأمر بإجلالهم وتوقيرهم:

بوّب الحافظ ابن أبي عاصم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في كتابه «السنة»: «باب: في ذكر فضل تعزير الأمير وتوقيره»، ثم ساق بسنده عن معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ: «خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنًا على الله عَزَّ وَجَلَّ: من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازياً، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته، فسلم الناس منه، وسلم من الناس»20.

وبسنده أيضًا عن أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «السلطان ظل الله21 في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه أهانه الله»22.

وفي «سنن الترمذي» عن زياد بن كسيب العدوي، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر، وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق. فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله»23.

وفي «السنة» لابن أبي عاصم أيضاً، عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله ﷺ قال: لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم24 واتقوا الله، واصبروا؛ فإن الأمر قريب»25.

وفي «السنة» لابن أبي عاصم أيضًا: أن أبا الدرداء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: «إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة26.

قيل: يا أبا الدرداء! كيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟

قال: اصبروا، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت»27.

وبمثل هذا المنع والتحذير عن أبي مجلز رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ28، وعن أبي إدريس الخولاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ29.

وذكر الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ أن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا سئل عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلًا ولا بد، ففيما بينك وبينه»30.

وفي «التاريخ الكبير» للبخاري عن أبي جمرة الضبي، قال: لما بلغني تحريق البيت، خرجت إلى مكة، واختلفت إلى ابن عباس، حتى عرفني واستأنس بي، فسببت الحجاج عند ابن عباس، فقال: «لا تكن عونًا للشيطان»31.

وأخرج ابن سعد في «الطبقات»عن هلال بن أبي حميد، قال: سمعت عبد الله بن عكيم، يقول: لا أعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان» فيقال له: يا أبا معبد، أو أعنت على دمه؟ فيقول: إني أعدّ ذكر مساويه عونًا على دمه»32.

وفي «التمهيد» عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال: «ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره»33.

وقال سهل بن عبد الله التستري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين، أفسدوا دنياهم وأخراهم»34.

وقال المناوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «جعل الله السلطان معونة لخلقه، فيصان عن السب والامتهان ليكن احترامه سبباً لامتداد فيء الله، ودوام معونة خلقه، وقد حذر السلف من الدعاء عليه فإنه يزداد شراً، ويزداد البلاء على المسلمين»35.

بل الواجب من العاقل الناصح أن يمتثل وصية العلامة ابن جماعة الكناني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في بيان حقوق الولاة الأمر، إذ يقول: «ردّ القلوب النافرة عنه، إليه؛ لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة، والذب عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن والسر والعلانية»36.

سابعاً: في بيان عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه:

قال العلامة الشوكاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في شرح قول صاحب «الأزهار»: «ويؤدب من يثبط37 عنه أو ينفي، ومن عاده؛ فبقلبه: مخطئ. وبلسانه: فاسق. وبيده: محارب».

وأما قوله «ويؤدب من يثبط عنه»: فالواجب دفعه عن التثبيط، فإن كفَّ، وإلا كان مستحقًا لتغليظ العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره؛ لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم…»38.

وعلى ما تقدم: «فلا يتصور بعد الوقوف على النهي الصريح عن سبّ الأمراء، أن مسلمًا وقر الإيمان في قلبه، وعظم شعائر الله تعالى يقدم على هذا الجرم! أو يسكت عن هذا المنكر! لا نظن بمسلم هذا، ولا نتصور وقوعه منه؛ لأن نصوص الشرع وما كان عليه صحابة رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أعظم في قلبه من العواطف والانفعالات التي هي في الحقيقة إيحاءات شيطانية ونفثات بدعية، لم يُسلِّم لها إلا أهل الأهواء الذين لا قدر للنصوص في صدورهم»39.

وبقي أن نذكر هذا الأثر -ولعله تقر به عينُك وعين كل سلفي- والذي أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب «الصمت» والحافظ أبو نعيم في «الحلية»:

عن زائدة بن قدامة، قال: قلت: لمنصور بن المعتمر، إذا كنت صائمًا أنال من السلطان؟ قال: لا. قال: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: نعم»40.

هذا ما تيسر إيراده في هذا المعتصر، وفيه الكفاية لطالب الهداية، والله تعالى المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا حكامًا ومحكومين إلى ما فيه رضاه.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
راجي رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 26/5/1424هـ – 26/7/2003م

  1. «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» ص(49)، بواسطة «معاملة الحكام» ص(54).
  2. «آداب الحسن البصري» لابن الجوزي ص(121) و«جامع العلوم والحكم» (2/117).
  3. «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» ص(63) بواسطة «معاملة الحكام» ص(48).
  4. في «القواعد» (1/104).
  5. في «مجموع الفتاوى» (28/390).
  6. قال العلامة الألباني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في «ظلال الجنة» (2/508) حديث صحيح.
    (لطيفة): ومن القول الجميل والفهم السديد والفقه المتين، ما ذكره صاحب «معاملة الحكام» ص(121) إذ يقول: «وهذا من محاسن الشريعة؛ فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً، فالحمد لله على لطفه بعباده» وصدق، فالحمد لله على ذلك.
  7. «مصنف ابن أبي شيبة» (12/544) و«السنة» للخلال ص(111).
  8. [الأعراف:137]، وانظر «الشريعة» للإمام الآجري ص(38).
  9. «طبقات الحنابلة» (2/36).
  10. «أدب الحسن البصري» لابن الجوزى (119).
  11. «الأمر بلزوم جماعة المسلمين وامامهم» للدكتور عبد السلام بن برجس $ ص(90).
  12. ومن رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ مفتي الديار السعودية الأسبق، إلى بعضهم: «من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ … المحترم، سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قُصد منها إلا نفع الرعية، وليس شرطها أن لا يقع منها زلل. والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير. ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين. ونصيحة الأمير والمأمور بالسّرّ، وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة على الإسلام والمسلمين. ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك، والقاضية على فكرك، والحاكمة على تصرفاتك، بل في السّرّ قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرّح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها…» من «فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ» (12/182-183).
  13. «صحيح الإمام مسلم» (1/74) من حديث تميم الداري رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ.
  14. «الاستذكار» للحافظ ابن عبد البر (27/361).
  15. «السير الجرار» (4/556) و«العلاقة بين الحاكم والمحكوم في منظور السلف الصالح-رضي الله عنهم-» للدكتور الحوشاني ص(8-9).
  16. والحديث صححه العلامة الألباني $، انظر «ظلال الجنة في تخريج السنة» (2/521-522) و«وقفات منهجية» ص(116).
  17. والحديث حسنه العلامة الألباني، انظر «تخريج السنة» (2/523) و«وقفات منهجية» للشيخ عبد الحميد العربي الجزائري ص(116).
  18. فهل ما يفعله أصحاب فقه الواقع، أصحاب القصاصات من الصحف والمجلات من هنا وهناك، وإذاعة المنكرات تلو المنكرات على أسماع الناس في خطبهم والمحاضرات، هل بهذا يدعون إلى اجتماع الكلمة؟!
  19. «جامع العلوم والحكم» ص(76).
  20. حسنه العلامة الألباني، انظر «تخريج السنة» (2/523) و«وقفات منهجية» ص(116).
  21. أي: يدفع الله تعالى به الأذى عن الناس، كما أن الظل يدفع أذى حرّ الشمس، وأضيف إلى الله تعالى إعلامًا للناس بأنه ظل ليس كسائر الظلال، فهو أرفعها وأجلها وأعظمها فائدة ونفعاً، وهذه الإضافة إلى الله إنما هي إضافة تشريف، كما يقال بيت الله وكعبة الله، ونحو ذلك» انظر«معاملة الحكام» ص(52).
  22. حسنه العلامة الألباني في «الصحيحة» (5/376).
  23. «سنن الترمذي» (2225) وحسنه العلامة الألباني في «الصحيحة» (5/376).
  24. قال الشيخ الفوزان حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «شحن الغل والحقد على ولاة الأمور في قلوب العامة، هو من عمل المفسدين والنمامين الذين يريدون إشاعة الفوضى وتفكيك المجتمع الإسلامي، وقد حاول المنافقون قديمًا مثل هذا عند ما أرادوا أن يفصلوا المسلمين عن رسول الله ﷺ ليفككوا المجتمع، وقالوا» لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا» فمحاولة الفصل بين الراعي والرعية هي من عمل المنافقين، المفسدين في الأرض، الذين»إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون» والناصح لأئمة المسلمين وعامتهم على العكس من ذلك، فهو يسعى في تحبيب الرعاة إلى الرعية، وتحبيب الرعية إلى الرعاة، وجمع الكلمة، وتجنيب كل ما يفضي إلى خلاف» «الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة» للشيخ الفوزان ص(132-133).
  25. «السنة» لابن أبي عاصم (2/488) وانظره أيضًا في «التمهيد» (21/287).
  26. الحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق، أي: تُهلِك وتستأصل الدين، كما يستأصل الموس الشعر» «النهاية في غريب الحديث» (226).
    العقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم… ثم اتسع حتى استعمل في القتل والهلاك» «لسان العرب» (9/313)و «النهاية» ص(630).
  27. «السنة» لابن أبي عاصم (2/488)، وعنه «معاملة الحكام» ص(178-179) و«نبذة مفيدة عن حقوق ولاة الأمر» ص(30).
  28. في كتاب «الأموال» لابن زنجويه (1/78).
  29. في المرجع السابق (1/80).
  30. «جامع العلوم والحكم» للحافظ ابن رجب (1/225) وانظره بطوله في «مصنف ابن أبي شيبة» (15/749).
  31. انظر «التاريخ الكبير» للإمام البخاري (8/104) و«معاملة الحكام» ص(180).
  32. انظر «طبقات ابن سعد» (6/115) و«معاملة الحكام» ص(180).
  33. «التمهيد» (21/287) و «معاملة الحكام» ص(181).
  34. «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (5/260-261) و«حقوق ولاة الأمر» للدكتور العسكر ص(15) و«معاملة الحكام» ص(45).
  35. «فيض القدير» للمناوي(449).
  36. «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» ص(64) و«معاملة الحكام» ص(184).
  37. يقال: ثبطه عن الشيء تثبيطاً: إذا شغله عنه… التثبيط: هو التعويق والشغل عن المراد» انظر «لسان العرب» (2/83) و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير ص(120).
  38. هذا قول صاحب «الأزهار» وانظر كلام العلامة الشوكاني في تعليقه عليه في «السيل الجرار المتفق على حدائق الأزهار» (4/514).
  39. «معاملة الحكام» ص(177).
  40. «الصمت وآداب اللسان» لابن أبي الدنيا ص(145) و«حلية الأولياء» (5/41-42). وانظر «معاملة الحكام» ص(181).