الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التعامل مع ولاة الأمر   »   إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين

(أضيف بتاريخ: 2024/09/08)

بيانات الكتاب

إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين
إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين

إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

8/5/1429هـ - 13/5/2008م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 918 KB )

قراءة

( 10 صفحة )
إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

إعانة الناصحين ومشاطرة المصلحين

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه وآله ومن ولاه، أما بعد:

تأويلًا للأمر النبوي السامي، القاضي بالتناصح1، ولا سيما مع سادة الناس ورؤوسهم، ولاةِ الأمر -علماء وأمراء-؛ وضعتُ أحرفاً؛ لتكون مني مشاطرة في خير، تصلح به معايش، وتنعم به صدور، وتهنأ به دور.

والله ربنا المسؤول: سلامةً في إسلامنا وأنفسنا، وأمنًا في إيماننا وأيَّامنا.

فأقول للسادة الناصحين:

أولاً: شكر الله تعالى لك -أخي- إرادتك الخير العام، وأبشرك بما جاء في الصحيح، إذ قال رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «… ثلاث لا يُغِلّ2 عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحوط من وراءهم»3.

قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى»4، ولما كان ذلك كذلك، كن فيه مساهما محتسبًا متبعاً.

وثانياً: اعلم -أيها الرشيد- أنه «لا ينبغي لأحد أن يفتات عليه (ولي الأمر كل بحسبه)، وإلا يكون قد عدا طوره، وأضل رشده، وتعرّض للعطب، ومهّد الطريق إلى هلاكه، ووجه سهام الطعن إلى نحره»5.

وعليه.. نذكرك -قبل البيان أو الإنكار- بالتثبت في المقال: علمًا أو طرحًا، وحبذا -حال العرض- لو سيق مساق الاستفسار، فالاقتراح، «رأيت -رؤية بصرية كانت أو الأخرى العلمية- كذا… فما قولكم لو كان كذا…».

نعم.. الواجب على المسلم الناصح لنفسه حيال ردّهم إلى جادة الصواب، عملًا بالقاعدة النبوية العامة: «الدين النصيحة…»6، وسلامة للمجتمع عموماً، وللعالِم خصوصاً؛ ذلك لأن زلة العالم زلة عالَم، وحبذا لو كانت من مثله بعد التبيُّن كما تقدم.

قال ابن جماعة الكناني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ مرشدًا ومعلماً: «ولا يقول -أي: الطالب- لما رآه الشيخ وكان خطأ: هذا خطأ، ولا هذا ليس برأي، بل يحسن خطابه في الرد إلى الصواب، كقوله: (يظهر أن المصلحة في كذا)، ولا يقول: (الرأي عندي كذا) وشبه ذلك»7.

وفي هذا أيضًا يقول العلامة ابن عقيل الحنبلي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ كما في «الواضح»: «ويجتنب القول له: (هذا خطأ)، أو (غلط)، أو (ليس كما تقول)، بل يكون قوله له: (أرأيت إن قال قائل)، (يلزم على ما ذكرت كذا)، و(إن اعترض على ما ذكرت معترض بكذا)؛ فإن نفوس الكرام الرؤساء المقدمين تأبى خشونة الكلام، إذ لا عادة لهم بذلك. وإذا نفرت عميت القلوب، وجمدت الخواطر، وانسدت أبواب الفوائد؛ فحرمت كل الفوائد بسفه السفيه، وتقصير الجاهل في حقوق الصدور»8.

واعلم -أرشدك الله تعالى لطاعته- أن: «الإدلال على السلطان من أعظم مصارع التلف، وأقرب الأشياء إلى زوال النعم، ولأجلها هلك من هلك من بطانة السلطان»9، فابتغ بين ذلك سبيلا.

وثالثاً: يجب أن يقوم بالنصح أهله، القادرون على كشف الحقائق وتجليتها، ومن ثم رفعها، أو بعضها.

رابعاً: الوصية -أيا نبيل- باستخدام الأسلوب الأمثل اللائق بمقامهم الراقي، والمعبّر المعرب عن شخصكم الرفيع الرفيق، الناطق بإرادة الخير10 إذ القصد -مع النصح وإرادة الخير- إعزاز السلطان11 لا تجهيله12 أو تسفيهه، وإلا حرمت الأجر، والبر، بل والأثر.

فعليك -رحمك الله تعالى- بالإلمام، والوفاء مع الإيجاز، وجزل المقال، بانتقاء بل اقتطاف أحرف بهيّة قليلة، عريقة عبقة، جامعة رفيعة، واقية وافية؛ تثلج صدرًا، وتمتع مُقَلًا، وتبهج مُهَجًا، دالة؛ لما يرجى معها النظر فالإجابة، إذ «مكاتبة الملوك أحوج شيء إلى التفخيم والتعظيم، وذكر التهاويل الرائعة والأشياء المرغبة».

وأنت.. أنت أيها المفضال الناصح للراعي المشفق على الرعية: «أولى الناس باقتناء ذخائر الحمد، وابتناء المعالي، وبذل الرغائب»13.

خامسًا: كن عليمًا -قبل النصح-، رفيقًا -أثناءه-، حليمًا -بعده-، وإياك والمداهنة! فإنها مع كونها مهلكة، رذيلة مزرية! واحذرن التشفي14!! فما منّا، إلا!.

سادسًا: قد تقدم أن الأمر دين، فلزم فيه المتابعة ومعه الإخلاص، ومن ذلك -مع ما تقدم- السّريّة، وعدم إشاعة اللقاء، أو إذاعة الأنباء، فإنه مع ما يعتلجه من رياء؛ مفسدٌ لنصح بنّاء، وقد يردف ببلاء -خاص أو عام-.

إذ الأصل في نصح ولاة الأمر الإسرار، ويدلّ عليه، قوله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ15: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ16».

سابعاً: نذكرك -أحبيب- بهذا الخلق السلفي الرحيب، المستصحب في الباب، المتعلق بجناب الاعتقاد، وهو ما كان من خبر الأجداد، ذوي العقيدة والاجتهاد. إذ قام طويل النجاد، ساع في شفاعة جاد، مذكرا في غروب المعاد، قائلًا: «إن قضيت لي حاجتي: حمدت الله وشكرتك. وإن لم تقض لي حاجتي: استغفرت الله، وعذرتك».

نعم.. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والأصل الاتباع، والقصد إرادة الخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وبذا: قد تطابقت سبع سموات تحت عرش النصح، ووفق أمر النصّ؛ وضعتها بين يديك أخي؛ لتكون منارة خير، ونبراس هدى، وسراج تقى، ومِنّا العمل، وعلى الله القبول، وبين يديه هناك المثول، و ﴿ … مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ … ﴾ [التوبة:91].

وأذكّر «في المقام بقول العلامة ابن العربي المالكي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ إذ يذكر ناصحاً: «ورحم الله عبدًا بلغه الحق فانصاع له، ولم يعده إلى التكذيب والابتداع.

قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

فما أحسن بيان: كبيان بان به وجه الحق، واتبع.

وما أخلص خلوص: كخلوص نفس مما علق بها، ثم رفع…

وما أروع سهم حق صوِّب صوب كبد الباطل فأبطله، وساق صاحبه سوقًا إلى مرساه راسيا… إذ قلم الحق خاطب، وقلم الباطل حاطب.

وما أصوب إصابة أصابت عين الحق الحقيق، وأبصر. وفي هذا قال القائل: «رب كاتب بليغ أصاب الغرض في كتابته فأغنى عن الكتائب، وأعمل القلم فكفاه إعمال القتل».

وفي الجملة:

ما أجمل حُجة حاجة إلى سويداء قلب عقل ضلّ فتُقلبه.

وما أسعد مجاهدتها حال سوقها إليه سوقاً.

ما أبلغ أثر اتباع الحق في النفوس وأعظمه.

وما أبرد صدرًا استسلم للنصوص استسلامًا وانشرح.

وما أهدأ نفس انساقت للحق سوقًا صاغرا ملبية منادية ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّي لِتَرْضَى﴾17.

،،، وبعد ،،،

تلكم كانت نبذة معتصرة، وضعتها بين يديك، مشاركة مني في الخير، مذكرًا أنه «لا يقوم بآدابها ويستكمل رسومها إلا من [صفت عقيدته، وصحّت سريرته، و]18 علت في الأدب درجته، وسمت في رجاحة العقل منزلته»19.

وربنا سبحانه المسؤول صلاحًا للراعي والرعية، وسترًا وسدادًا في العاجلة، وسلامةً وسموًّا في الآجلة.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الفقير إلى عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في: 8/5/1429هـ – 13/5/2008م

  1. وقد جاء بإسلوب الحصر والقصر، في دلالة على عظيم أمره وخطير شأنه -وهو كذلك-، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إنما الدين النصح» «صحيح الجامع…» برقم(2324).

    واستغنيت بما ذُكر عما طُوي من حديث تميم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ المشهور في الصحيح لشهرته، وقد حمل نفس الأسلوب والدلالة.

  2. قال أبو السعادات رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «هو من الإغلال: الخيانة من كل شيء. ويُروى: «يَغِلُّ» (بفتح الياء) من الغِل: وهو الحقد والشحناء. أي: لا يدخله حقد يزيله عن الحق. وروي: «يَغِلُ» – بالتخفيف- من الوغول: الدخول في الشر.
    والمعنى: أن هذه الخلال الثلاثة تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها، طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر» «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير ص(677) ط. ابن الجوزي.
  3. «صحيح الجامع…» برقم (6766).
  4. «فضيلة العادلين» ص(140).
  5. «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» للقلقشندي.
  6. «صحيح الإمام مسلم» (1/74) من حديث تميم الداري رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ.
  7. «تذكرة السامع والمتكلم» لابن جماعة الكناني ص(112).
  8. «شرح الكوكب المنير» ص(379)، والنقل عن «الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام» ص(239).
  9. «صبح الأعشى…».
  10. من ذلك: رسالة نصح الإمام الطرطوشي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ سلطان الوقت -الأفضل شاهنشاه- قال فيها: «أيها الملك! إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ قد أحلك محلا عاليا شامخا، وأشركك في حكمه، ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك. فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك.
    وإن الله تعالى ألزم الورى طاعتك، فلا يكونن أحد أطوع لله منك… واعلم أن الملك الذي أصبحت فيه، إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عن يدك مثلما صار إليك. فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله سائلك عن النقير والقطمير والفتيل…» «سراج الملوك في نظم الحكم والسياسة الشرعية والآداب المرعية» ص(123-124).
  11. عملًا بما جاء ترغيبًا وترهيبًا:
    فمن قبيل الأول: ما جاء عن أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه أهانه الله» حسنه العلامة الألباني في «ظلال الجنة» برقم(1024).
    ومن قبيل الثاني: ما جاء في «الصحيح» عن الصادق (: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» «صحيح سنن الترمذي» (2/485) برقم (2224).
  12. وفي آداب مخاطبة الملوك: دخل الأصمعيّ يومًا على هارون الرشيد بعد غيبة كانت منه. فقال له الرشيد: يا أصمعيّ، كيف كنتَ بعدي؟
    فقال: ما لاقَتْني بعدَك أرضٌ.
    فتبسّم الرشيد. فلما خرج الناس، قال للأصمعي: ما معنى قولك «ما لاقتني أرض»؟
    قال: ما استقرّت بي أرض، كما يُقال فلان لا يليق شيئًا. أي: لا يستقرّ معه شيء.
    فقال الرشيد: هذا حسن.
    ولكن لا ينبغي أن تكلمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خَلَوتَ فعلِّمني، فإنه يقبح بالسطان أن لا يكون عالمًا.
    إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذا لم أُجِب.
    وإما أن أجيب بغير الجواب؛ فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلتَ.
    قال الأصمعيّ: فَعَلَّمَني الرشيد يومها أكثر مما عَلَّمْتُه» «أخبار النحويين البصريين» لأبي سعيد السيرافي.
  13. «صبح الأعشى…».
  14. قال أمير المؤمنين في الحديث الشعبيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «أغلظ رجل لمعاوية، فقال: أنهاك عن السلطان، فإن غضبه غضب الصبي، وأخذه أخذ الأسد» «سير أعلام النبلاء» (3 / 119).
  15. أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (3/403) وابن أبي عاصم في «السنة» (507) رقم (1096) وصححه العلامة الألباني في «ظلال الجنة» (507).
  16. ومن هنا كانت تطبيقاتهم ودعت تعاليمهم: روى شَقِيق عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ» أخرجه الإمام البخاري في «الصحيح…» (6/331رقم3267ـ فتح) والإمام مسلم في «صحيحه» (18/159 رقم2989-نووي).
    وقال سعيد بن جبير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: قلت لابن عباس: آمر السلطان بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟ فقال ابن عباس: إن خفت أن يقتلك فلا. قال سعيد: ثم عدت فقال لي مثل ذلك. ثم عدت فقال لي مثل ذلك. وقال ابن عباس: إن كنتَ لا بُدَّ فاعلًا ففيما بينك وبينه» أخرجه ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعـروف (113رقم76) والبيهقي في الشعب (13/273رقم7185،7186).
    وقيل لمالك بن أنس رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون؟ فقال: يرحمك الله فأين التكلم بالحق؟» أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح (1/30).
    وقال العلامة الشوكاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ: «ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذلّ سلطان الله» «السيل الجرار…» (4/556).
    قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ في شرح حديث «الدين النصيحة… »: «… وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير، إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية كبيرة أو صغيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم.
    وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم، الذي لا يخالف أمر الله ورسوله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق.
    فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًّا وضررًا وفسادًا كبيرًا، فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك.
    وعلى من رأى منهم- ولاة الأمور- ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا هو المطلوب في حق كل أحد وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص.
    واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص وفيه أضرار أخر معروفة» «الرياض الناضرة» ص(49-50).
  17. «إتحاف السديم بأن الحق قديم» للمؤلف.
  18. ما بين المعكوفتين من جعبتي.
  19. «صبح الأعشى…».