الرئيسة   »   مؤلفات الشيخ   »   التحذير من الصوفية   »   البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور

(أضيف بتاريخ: 2025/03/09)

بيانات الكتاب

البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور
البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور

البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور

المؤلف:

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالحميد حسونة $

الناشر:

لم يُطبع بعد!

حجم الكتاب:

وسط

تاريخ التأليف:

17/2/1426هـ 27/3/2005م

عدد مرات القراءة:
قراءة

تحميل

( 817 KB )

قراءة

( 13 صفحة )
البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور
  • +  تكبـير الخط
  • -  تصغيـر الخط

البيان المبرور في تجلية صلة التصوف بالغرور

بعد الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله.

أما بعد:

«فقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ قوله: «إنه أوحي إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»1.

وقد كان النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على خلق عظيم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. ولذلك فقد تضمن كتاب الله الكَريم وسنة المصطفى ﷺ النهي عن كل خلق ذميم.

وإن من الخصال الذميمة التي نهى الشرع عنها، وبين سوء عاقبة من يتخلق بها في الدنيا والآخرة: الكبر والإعجاب.

فقد أخبرنا الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه الكريم عن سوء عاقبة المتكبرين المتجبرين، ليأخذ المسلم العبرة والعظة، فيتجنب تلك الأوصاف التي اتصف بها المتكبرون، فنالهم بسبب ذلك عقاب الله وبطشه.

وإن مما قصّه الله على عباده عن بيان عاقبة المتكبرين، ليأخذوا العبرة منه: قصة قارون، الذي أعطاه الله من الأموال الطائلة التي تنوء العصبة من القوم بحمل مفاتيحها.

فلم يشكر الله على ذلك، ولم يعترف بإحسانه إليه، بل بغى على قومه وتكبر عليهم، وأنكر نعمة ربه… يقول الله تعالى في ذلك: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76 وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» [القصص: 7677]

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني عذبته»2.

وهكذا حكم الله على قارون حينما خرج متكبرًا منازعًا لله في هذه الصفة التي لا تكون إلا لله الواحد القهار؛ قال تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ [القصص:81 ].

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه وبغيه عليهم، عقب ذلك ببيان ما جازاه به على ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»3

وفي مسند الإمام أحمد، عن ابن مسعود مرفوعًا: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب»4.

ثم أخبر تعالى عن الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، وأنه تعالى جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض أي: ترفعًا وتعاظمًا على خلق الله وتكبرا عليهم، ولا فسادا، فالعلو: التجبر، والعلو: البغي والفساد. فقال تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

فأهل التواضع والتقوى الذين يخشون الله ويراقبونه ويتجنبون غضبه ومقته، ويبتغون رضاه، ولا يبغون علوا في لا فسادا في الأرض هم أهل الدار الآخرة.

وقد أخرج ابن جرير عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه فيدخل في قوله: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

قال الإمام ابن كثير $ في تفسير الآية: وهذا محمول على ما إذا أراد التفاخر على غيره، فإن ذلك مذموم، كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ قال: «إنه أو حي إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»5.

وأما إذا أراد ذلك لمجرد التجمل، فهذا لا بأس به، فقد ثبت أن رجلاً قال: «يا رسول الله، إني أحب أن يكون ردائي حسنا، ونعلي حسنة أفمن الكبر ذلك؟ فقال: «لا، إن الله جميل يحب الجمال»6.

وقد بيَّن رسول الله ﷺ كما في صحيح مسلم: «إن الكبر بطر الحق -أي دفعه ورده- وغمط الناس -وهو احتقارهم-»7.

ولهذا ختمت تلك الآيات بقوله تعالى: ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [القصص: 84]، فالله يضاعف الحسنات للمحسنين كما قال تعالى: ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160].

فالمحسنون المتقون أعد الله جنات تجري تحتها الأنهار جزاء بما كانوا يعملون، فهذا مقام الفضل ﴿ وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90]. وهذا مقام الفصل العدل؛ فاحذر أيها المسلم صفات المتكبرين.

وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»8.

وفي الباب: عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن وتقي، وفاجر وشقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليوكنن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن»9.

وقول الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا 63 وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا 64 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا 65 إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا 66 وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا 67 وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ … ﴾ [الفرقان:63-68].

إن علمت هذا.. فاعلم: إن غرور أئمة التصوف واحتقارهم العباد واستذلالهم، لهو أمر يشهد به واقعهم، ومردّ ذلك يرجع إلى هيجان داء الكبر في نفوسهم، وغليان لوث العظمة الكاذبة والغرور في صدورهم، والتي قد يكون منشأها ادعاءات كاذبة زائفة لإشارات وكشوفات وفيوضات وأنوار ومنامات، مع ضميمة مبالغة الأتباع في التذلل لهم، وطاعتهم العمياء الصماء لهم، مع اعتبار عامل آخر وهو الاتكاء على النسب الشريف والنسبة الكريمة، هذا الخليط إذا ضممت له عامل الجهل، وعدم تزكية النفس بآداب الوحي، أدى إلى انحرافهم في جملة ليست بالقليلة من المعتقدات والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك:

ويمكن إجمال ما سبق من مؤثرات كانت سببًا في جنوح التصوف في هذا الباب وكانت وراء تدنيه وسقوطه في قعر هذا الداء.

– منها: اعتقادهم معرفة علم الغيب.

– ومنها: إدعاء معرفة الأسرار وفهم الإشارات-الرمز.

– ومنها: مسألة الكشف.

– ومنها: الانتساب إلى أهل البيت، مستغلين محبة المسلمين آل بيت النبي ﷺ في تمرير باطلهم وإنفاق سلعتهم الفاسدة الكاسدة.

– ومنها: استرقاق المريد أو قانون استعباد الأحرار بلا ثمن بغية الوصول.

– ومنها: الجهل المطبق الذي أعمى قلوبهم عن حقيقة النفس فضلًا عن معرفة حدود الشرع.

وتلكم الأدواء توصيفًا وتطبيبًا منثورة كحبات اللؤلؤ -بل أنفس- بين أروقة بحثي، وهنا أتعرض بإيجاز لمسألة الانتساب للنسب الشريف.

فأقول: «عقيدة أهل السنة والجماعة وسط بين الإفراط والتفريط والغلو والجفاء في جميع مسائل الاعتقاد ومن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرسول ﷺ فإنهم يتولون كل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب.

وكذلك زوجات النبي ﷺ جميعاً، فيحبون الجميع ويثنون عليهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعسف، ويعرفون الفضل لمن جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب فمن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله ﷺ فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه ولصحبته إياه، ولقرابته منه ﷺ ومن لم يكن منهم صحابياً، فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه ولقربه من رسول الله ﷺ ويرون أن شرف النسب تابع لشرف الإيمان، ومن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحسنيين، ومن لم يوفق للإيمان؛ فإن شرف النسب لا يفيده شيئاً، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات:13].

وقال ﷺ في آخر حديث طويل رواه الإمام مسلم10 عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

وقد قال الحافظ ابن رجب $ في شرح هذا الحديث11: «معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ﴾ [الأنعام:132]، فمن أبطا به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى لم يسرع به نسبه فيبلغه تلك الدرجات فإن الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون:101].

وقد أمر تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال كما قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ 133 الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ الآيتان [آل عمران: 133-134]، وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ 57 وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ 58 وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ 59 وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ 60 أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون:57-61].

ثم ذكر نصوصًا في الحث على الأعمال الصالحة، وأن ولاية الرسول ﷺ إنما تنال بالتقوى والعمل الصالح، ثم ختمها بحديث عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ12.

فقال: «ويشهد لهذا كله ما في «الصحيحين» عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي ﷺ يقول: «إن أل أبى فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين»، يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانًا وعملًا فهو أعظم ولاية له، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن، وفى هذا المعنى يقول بعضهم13 :

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضـع الشرك النسيب أبا لهب

((( والآن نجلي صور من غرور التصوف الكاذب )))

شهادة شاهد من أهله:

«يشهد عليهم بذلك شيخهم أبو حامد الغزالي إذ يقول: «المتصوفة ما أغلب الغرور عليهم، والمغترون منهم فرق كثيرة، يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال السلاطين، ويمزق بعضهم أعراض بعض..ويستحقرون جميع العباد والعلماء، فيقولون في العباد أنهم: أُجراء متعبون. ويقولون في العلماء: إنهم بالحديث عن الله محجوبون! ويدعي أحدهم لنفسه أنه الواصل إلى الحق وأنه من المقربين، وهو عند الله من الفجار المنافقين، ويرفعون درجة أنفسهم على درجة الأنبياء»14.

شهادة أخرى:

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: «وفي موضع آخر نجده يكشف الستار عن حقيقة ما يكمن وراء دعاوى الوجد والتخشع والتزهد والتصفية التي يدعيها المتصوفة فيقول لأحد تلاميذه: «يا بني، إذا نظرت في القوم الذين ادعوا التصوف اليوم وجدت أن أكثرهم من الزنادقة الحرورية والمبتدعة، ورأيتهم أكثر الناس جهلًا وحمقاً، وأشدهم مكرًا وخديعة، وأعظمهم عجبًا وتطاولاً، وأسوأهم ظنًا بأهل الزهد والتقوى»15.

شهادة ثالثة:

«خطر ببال أحد الواقفين أمام محمد سيف الدين الفاروقي النقشبندي أن هذا الشيخ متكبر، فالتفت إليه وقد كوشف بخاطره فقال له: تكبري من تكبر الحق تعالى»16.

نصيحة: وهنا أنقل نصيحة العلامة مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ محدث الديار اليمنية وعالمها: «…أصبح بحمد الله المجتمع اليمني يستنكر بفطرته التمسح بالتراب الذي على قبر الهادي $ ويقولون: ما زال هؤلاء يدجلون علينا، وربما تناول بعضهم الهادي $ وهم لا يدرون أنه لو كان حيًا لكان أعظم المنكرين لهذا الفعل القبيح، وهل يرضى الهادي $ أن يكون شريكًا لله ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ﴾ [النمل:62].

وكما أنهم يسيئون إلى سلفهم فهم يسيئون إلى كل فاضل ينتسب إلى علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فلقد أصبحت العامة تسيء الظن بمن كان علوياً، ويظنون أنهم يريدون أن يعيدوهم إلى تقبيل الركب وإلى سيدي ومولاي وإلى الدجل والشعوذة واستحلال أموال القبائل.

فنصيحتي لهم: أن يستسلموا لسنة رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قبل أن يحل بهم الهوان، فإن رسول الله صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري»17.

وكذا أنصح لهم ألا يتكبروا على القبائل؛ فإن هذا يؤدي إلى رد فعل من القبائل، وكفاهم أن الرسول صَلَّىٰ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»18.

وفضائل أهل بيت النبوة والحث على احترام المستقيم منهم كثيرة، ولكن كون بعض الناس منهم يطالب الناس باحترامه وهو لا يرى للناس حقوقهم، وهو أيضًا يرتكب الكبائر، ثم يطالب الناس بالخضوع له والاستكانة، ومن لم يقل له: ياسيدي، فهو ناصبي! ولا شك أنهم يحاربون أنفسهم بأنفسهم، ويكفون أهل السنة المؤنة، نسأل الله لنا ولهم الهداية، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».

وأختم هذه الرسالة بآيتين لبيان القصد من جمعها: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا 123 وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء:123-124]» اهـ19.

فرار التصوف -كغيره- من النقد، صورة من صور الغرور:

«زعم الصوفية أن من ينتقدهم يطرد من رحمة الله، يهولون بهذا قيدًا ظلوماً «للدراويش» حتى لا يحطموا أغلال الصوفية عن أعناقهم، وقالوا: «وهذا الفن من الكشف يجب ستره عن أكثر الخلق؛ لما فيه من العلو، فغوره بعيد» باطنية منافقة!

وقالوا: «إذا رأيت منتقدًا على التصوف، ففر منه فرارك من الأسد، واهجره».

وقالوا: «طريق الكشف والشهود، لا تحتمل المجادلة والرد على قائله، وحرمانه يعود على المنكر»20.

كل هذا ليظل ضحايا الصوفية، عُمي البصائر والقلوب، مختومًا على سمعهم، فلا يسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطلًا صوفياً.

«ليس العلم مشغلة بل هو الطريق إلى الجنة ونور يكشف عورات هذه الظلمات التي يدعوا لها أرباب التصوف عوام الناس؛ لأنه بالعلم يتكشف للناس حقائق طرقهم وزيف أقوالهم المزخرفة بفن الكلام… ولطالما كان الإنكار حجر عثرة أمام الصوفيين، يؤرق جفنهم، ويعيق طريقهم… ولذلك نفروا الناس منه وشغلوهم بحلقات «الرقص» ونوادي «الوجد والسماع» ولبس «الخرق» والتزام «الخلوات» وغير ذلك، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به هؤلاء»21.

ومن تطبيقاتهم في ذلك مع ما تقدم:

«قد كان يحضر مجلس الدباغ رجل لا يعتقد فيه أنه ولي كبير! فكان إذا حضر سكت الدباغ عن أساطيره الصوفية خشية أن يفضحه الرجل أمام تلاميذه، ثم قال لهم: «إذا حضر هذا الرجل فلا تسألوني عن شيء حتى يقوم».

ويروي أحد تلاميذه أنهم كانوا إذا سألوا الدباغ وذلك الرجل حاضر وجدوه -أي الدباغ- كما يقول تلميذه: «كأنه رجل آخر لا نعرفه ولا يعرفنا، وكأن العلوم التي تبدر منه لم تكن له على بال»22.

أعرفت سر سكوت الصوفية أمامك؟ إنهم يخشون بطش الحق بهم أمام دراويشهم»23.

وكان من نتائج هذا الداء عدم قبول الحق الأبلج، وإعجاب كل صاحب رأي برأيه، وإن كان الأحقر، وأدى حبهم للظهور أن قصمت ظهورهم في كل الجولات، ولا بد.

هذا.. والواجب قبول النصيحة؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر:3]، ودخولًا في الثناء الإلهي على من ﴿ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر:18].

والله الهادي.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

كتبه
الفقير إلى عفو ربه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
في 17/2/1426هـ 27/3/2005م
  1. رواه مسلم (2865).
  2. رواه مسلم (2620).
  3. رواه البخاري (2789) ومسلم (2088).
  4. أخرجه مطولاً أحمد (3672)، والحاكم (7301) واللفظ له، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5524)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» برقم (2714).
  5. رواه مسلم (2865).
  6. رواه مسلم (91) في كتاب الإيمان، باب: تحريم الكبر.
  7. وهو تتمة الحديث السابق.
  8. «الوصايا من الكتاب والسنة» للشيخ الأستاذ الدكتور علي الفقيهي حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ.
  9. أخرجه أبو داود (5116)، والترمذي (3955)، وأحمد (8736) واللفظ له، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (1/367-368) برقم (1787).
  10. في «صحيحه» (2699).
  11. في كتابه «جامع العلوم والحكم» ص(308).
  12. في «صحيح الإمام البخاري» (5990) و «صحيح الإمام مسلم» (215).
  13. بتصرف من كتاب «فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة» للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر، دار ابن الأثير، الطبعة الأولى 1422هـ.
  14. «إحياء علوم الدين» (13/122-124) وانظر «من ضلالات الصوفية» ص(102).
  15. «حالة أهل الحقيقة مع الله» ص(105) و«الكليات الأحمدية» ص(156) انظر «الرفاعية» ص(82).
  16. «المواهب السرمدية» ص(215) و«الأنوار القدسية» ص(200) و«جامع الكرامات» (1/204) انظر «النقشبندية» ص(64).
  17. أخرجه البخاري معلقاً قبل حديث (2914)، وأخرجه موصولاً أحمد (5667)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» برقم (2831).
  18. رواه الإمام مسلم (2408).
  19. «رياض الجنة في الرد على أعداء السنة» ص(158-159).
  20. «رسالة الفناء من مجموع رسائل ابن عربي» ص(3، 8) و «إيقاظ الهمم شرح الحكم» لابن عجيبة ص(8).
  21. «النقشبندية» ص(91-95).
  22. «الإبريز» (2/42).
  23. «هذه هي الصوفية» للوكيل ص(176-177) بتصرف.